مينا العريبي
صحافية عراقية-بريطانية، رئيسة تحرير صحيفة «ذا ناشونال» مقرها أبوظبي. عملت سابقاً مساعدة لرئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط»، وقبلها كانت مديرة مكتب الصحيفة في واشنطن. اختارها «منتدى الاقتصاد العالمي» ضمن القيادات العالمية الشابة، وتكتب عمود رأي في مجلة «فورين بوليسي».
TT

الذكاء الصناعي ومستقبلنا مع الروبوتات

بينما تتطور تقنية الذكاء الصناعي بطرق متعددة وبوتيرة متسارعة، من الصعب التكهن بمستقبل هذه التقنية التي لم تعرف البشرية مثيلها. إلا أن هناك مؤشرات واضحة علينا متابعتها وفهمها. فهناك حقائق لا خلاف عليها، منها أن الملايين من الوظائف معرّضة للاندثار، كما أن الروبوتات التي تتمتع بميزة الذكاء الصناعي أمامها نحو عقد من الزمن لتقترب من المرحلة المتطورة المقبلة لتنافس الإنسان على العمل.
وبحسب دارسة أجرتها شركة «ماكينزي» للاستشارات، فإن نحو 50 في المائة من الوظائف التي يقوم بها البشر حول العالم من الممكن أن تقوم بها روبوتات في وقت قريب من الزمن، لكن فقط 5 في المائة منها يمكن أن تعتمد كلياً على الروبوتات. فسيبقى الإشراف الإنساني مهماً على الماكنات كلها. لكن الأمر المحسوم هو أن عدد الوظائف المتعارف عليها اليوم سيتقلص مع دخول الروبوتات سوق العمل بقوة خلال العقد المقبل.
من جهة أخرى، فإن 65 في المائة من طلاب المرحلة الابتدائية حالياً سيشغلون لاحقاً وظائف لم يتم خلقها بعد وغير معروفة في سوق العمل الحالية. هذه المعلومات مهمة ليس فقط للاقتصاديين ووزراء التخطيط، لكن لنا جميعاً. على الأهالي إعداد أبنائهم وبناتهم للواقع الجديد الذي سيواجههم، كما أن على الساسة الإعداد لمرحلة شديدة الاضطراب خلال الانتقال الذي أصبح وشيكاً ومحتوماً. ومن المتوقع أن تندثر الوظائف الروتينية، مثل العمل في المصانع والمراقبة البسيطة مثل مراقبة الحدود، وتحل محلها الماكنات. لكن كل ذلك سيؤدي إلى واقع يجعل القدرات البشرية الخاصة بالابتكار والإبداع خصالاً أساسية في وظائف المستقبل القريب والمتوسط... إلى حين تعلم الروبوتات تلك الميزات وتصبح أفضل من البشر في الإبداع الفكري - لكن ما زالت الطريق طويلة على ذلك.
يقول البروفسور أندرو نغ، من جامعة ستانفورد الأميركية، إن الذكاء الصناعي سيكون له تأثير على العالم شبيه بتأثير اختراع الكهرباء الذي وصل تأثيره لجوانب الحياة كافة. ومثلما كان من الصعب أن يتخيل أجدادنا مدى تأثير الكهرباء على كل مفاصل الحياة، سيكون الأمر نفسه فيما يخص الذكاء الصناعي.
من اللافت أن هناك دولتين تتصدران مشهد مجال الذكاء الصناعي – الصين والولايات المتحدة. وقد أعلنت الصين أنها تنوي أن تصبح الدولة الأكثر تقدماً في مجال الذكاء الصناعي بحلول عام 2030. ومن بين أفضل 10 جامعات تختص بالذكاء الصناعي والتعلم الآلي، خمس في الصين. كما أن نصف خريجي هندسة الذكاء الصناعي في العالم هم في الصين، إلا أن غالبيتهم يهاجرون إلى الولايات المتحدة ويعملون في كبرى شركاتها. وبينما تتنافس كل من الهند والمملكة المتحدة وكندا مع الصين والولايات المتحدة على التقدم التقني، إلا أن حجم الدولتين وتقدمهما في هذا المجال يجعلهما في موقع فريد في التأثير على مسار هذه التكنولوجيا. لكن ما يثير القلق هو إمكانية انتقال الحرب بين الولايات المتحدة والصين، ليصبح المجال التقني وبخاصة فيما يخص الذكاء الصناعي، في مقدمة المواجهة بين البلدين. فمحاربة الولايات المتحدة لشركة «هواوي» واتهامها بالقيام بعمليات تجسس مؤشر على نوع التعقيدات التي ممكن أن تطرأ في حال تفاقمت الخلافات بين البلدين.
وقد حذر أخيراً رئيس الوزراء البريطاني الأسبق غوردون براون من تطور الخلاف بين البلدين إلى درجة «فصل الإنترنت» ليكون هناك «إنترنت أميركي» بكل الوسائل التقنية الأميركية بما فيها نظم البريد الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي الأميركية مثل «تويتر»، و«إنترنت صيني» مختلف مثل موقعَي «وايبو» و«علي بابا». وفي هذا الحال الفصل سيكون على أساس إضعاف الآخر، بدلاً من فتح الآفاق ليستفيد كل طرف من الآخر.
كل هذه التطورات تأتي في وقت العالم العربي شبه غائب عن عالم التكنولوجيا والبحوث التي تؤدي إلى طفرات نوعية لا نعلم منها سوى الجانب الاستهلاكي. وحسناً فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة؛ إذ باتت اليوم وجهة لمن يريد التفكير بكل هذه القضايا، بعد تعيين عمر بن سلطان العلماء وزير دولة للذكاء الصناعي ووضع استراتيجية وطنية للذكاء الصناعي. لكننا في حاجة إلى دول عربية إضافية تقوم بمهامها في مواكبة العصر وتوسيع النفوذ العربي الممكن في هذا المجال.
كما أن الحديث عن تأثير الذكاء الصناعي في مجال العمل شبه منعدم في العالم العربي، الذي يعاني أساساً من نسب بطالة عالية وبخاصة بين الشباب، تصل في بعض الدول العربية إلى 25 في المائة بين الشباب. كما أن دولاً تعيش حالة حرب أو تخرج منها لا توجد لدى جامعاتها القدرة على مواكبة أبسط التغييرات التقنية التي باتت تتغير كل يوم. علينا أن نخشى على الأطفال والشباب في دول مثل اليمن والعراق وغيرهما من دول مزقتها الحروب ولم تواكب العصر، بل تراجعت إلى الوراء. فبالإضافة إلى كل التحديات التي تواجهها الدول العربية التي تعاني من النزاعات، هناك تحدٍ هائل هو عدم الانخراط بالاقتصاد المعاصر وعدم إعداد جيل من الطلاب يمكنهم أن يتنافسوا في الظروف العادية، فما بال التنافس مع الروبوتات والذكاء الصناعي. وعلى صناع القرار أن يتعاملوا بجدية مع هذه التطورات والتعامل مع الواقع الجديد كي لا نعاني كثيراً من انعدام المعرفة والمقدرة خلال المرحلة المقبلة.