إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

الهانم هند رستم

سنة 49، قبل سبعين عاماً، غنّت ليلى مراد «إتمخطري يا خيل» في فيلم «غزل البنات». كانت على صهوة جواد ووراءها مجموعة شابات، بينهن فارسة لم تنطق بكلمة واحدة. ولم يستغرق المشهد سوى دقائق معدودات.
دقائق كانت كافية لأن تنقل «الكومبارس» ناريمان حسين مراد من ظهر الخيل إلى موقع خيالي. صبغت شعرها باللون الذهبي وتكفّلت جاذبيتها بالباقي. صار اسمها هند رستم. أشهر نجمات السينما المصرية في سنوات عزّها. وبعد ثلاثة عقود اعتزلت السينما واستقرت في البيت زوجة لطبيب معروف. والممثلة التي خطفت القلوب بدور «هنومة» في «باب الحديد» اختارت أن تكون «الهانم» حرم فلان الفلاني.
سنة 87، بعد عشر سنوات من اعتزالها، جاءت هند رستم إلى باريس لتكريمها في مهرجان للسينما العربية. تدافعت أجيال من محبيها للسلام عليها. بحثوا عن نجمة شقراء ذات قوام متفجر فوجدوا سيدة ذات شعر أسود مفروق في الوسط، ترتدي بدلة مقفولة مثل ناظرة مدرسة، ونظارة طبية بإطار أسود سميك مثل باحث في مختبر. هل كانت تتنكّر لكي تتفادى المعجبين؟
كنت متحمسة لأن أسألها عن أدوارها المثيرة. عن عماد حمدي وفريد شوقي ورشدي أباظة. وكانت تبتسم بخفر وتجيب عن الأسئلة بعبارات منتقاة تتخللها كلمة «أفندم». هل هذه هي نجمة الإغراء هند رستم؟ لأول مرة تخسف بي مهنتي من الكواكب إلى أرض جرداء. كان الزجاج الصقيل المعتم عصيّاً على الاختراق.
إن من يشاهد أفلامها القديمة يتصورها بركاناً يختبئ في شقة هادئة على شاطئ الزمالك. تنهض من رقادها وتتفرج على نفسها في التلفزيون، تتابع السنوات التي مرّت كالحلم. تتناول الريموت وتغير القناة. تظهر على الشاشة شابة لبنانية تغني بدلع، تحاول تقليد هنومة في الغواية والجلابية البلدي. تتصل هند بنانسي عجرم وتبلغها إعجابها وتشجعها. تضع السماعة وتعود لتلهو مع حفيدها ميدو. لا شغل لها بالعالم الضاج في الخارج.
جاء عن هند رستم في موسوعة فرنسية أنها «ممثلة مصرية ذات جاذبية حسيّة تكاد تكون وحشيّة. قورنت بمارلين مونرو لكنها امتلكت شخصية سينمائية مختلفة، أقل هشاشة وأكثر لذعاً. إغراؤها من النوع الخام الأقرب إلى صوفيا لورين. وتشبه في تأثيرها ريتا هيوارث. وهي قد كسّرت الشاشة في دور هنومة. ولقي الفيلم نجاحاً عالمياً وعرض في مهرجان برلين. لكن هند رستم رفضت عروضاً للظهور في أفلام ألمانية. فضّلت شمس مصر على قتامة أوروبا. قال عنها المخرج حسن الإمام إن براعتها لا تكمن في مؤهلاتها الخارجية فحسب، بل في الحيوية التي تنبع من داخلها، من اندفاعها ونضارة شبابها».
حاورت هند رستم، في الستينيات، عباس محمود العقاد. وكان مصطفى أمين قد اقترح على الأديب المُلقب بـ«عدو المرأة» أسماء خمس فنانات. واختار العقاد من بينهن هند رستم. ونشر الحوار في مجلة «آخر ساعة». وفي سنواتها الأخيرة، نشرت «ملكة الإغراء» مذكراتها، ولم تبع قصة حياتها لأي من المنتجين. ودارت أخبار حول عودتها في مسلسل تلفزيوني لكنها كانت أمنيات. ورفضت تكريم الدولة، وارتأت أن شادية أولى به. وافقت على استضافة محمود سعد وكاميرا التلفزيون، في بيتها، لم تكشف لمشاهدي برنامجه ما كانوا يتوقعونه من أسرار ومُدهشات. جلست أمام صورة زوجها الطبيب الراحل، وقالت إنها تنام مبكراً وتستيقظ في الخامسة لكي تتحادث مع الصورة.
وعوداً على بدء، ففي فيلم «غزل البنات»، كانت هناك وراء ليلى مراد «كومبارس» ثانية لم تنطق بكلمة، اسمها يولاندا جيليوتي، إيطالية من مواليد شبرا. صارت فيما بعد المغنية داليدا.