صالح القلاب
كاتب أردني. وزير إعلام ووزير ثقافة ووزير دولة سابق، وعضو سابق في مجلس أمناء المجموعة السّعوديّة للأبحاث والتّسويق.
TT

«حماس» والقرار «242» ودولة غزة والمؤامرة

كان هناك شك تحول إلى يقين إزاء «حركة المقاومة الإسلامية (حماس)»، بعد اثنين وعشرين عاماً من انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، ورفضها الانضمام إلى منظمة التحرير رغم الجهود المضنية التي كان بذلها الرئيس الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) وبذلتها حركة «فتح»، وقيامها؛ أي «حماس»، بانقلاب عام 2007 الدموي الذي جاء بعد «اتفاق مكة المكرمة» الشهير بفترة قصيرة، والذي أصبح قطاع غزة بعده «عمليّاً» كياناً مستقلاً عن الدولة؛ التي يرأسها محمود عباس (أبو مازن)، وجزءاً من محور يضم إمارة قطر وتركيا الإردوغانية والتنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» الذي انتقل مقره الرسمي من القاهرة إلى إسطنبول.
ولقد ثبت بعد هذا كله أن «حماس»، وبتشجيع ودفع من قطر، قد فتحت قنوات سرية مع إسرائيل، وفي اتجاه أن تقتصر الدولة الفلسطينية المنشودة على قطاع غزة، وكما هو جارٍ وقيد التنفيذ الآن، حيث إن «صفقة القرن» التي وعد بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب سوف تأخذ طريقها إلى التنفيذ في هذا الاتجاه بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي جرت أول من أمس الثلاثاء.
وبهذا؛ فقد «انكشف» سرّ «حماس» التي من الملاحظ أن تشكيلها قد جاء بعد إخراج الفلسطينيين كـ«مقاومة» من لبنان في عام 1982، حيث ساد في ذلك الحين اعتقاد بأن منظمة التحرير حتى بعد قمة «فاس» الثانية ذاهبة إلى الزوال، وأن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) بات مصيره يقترب من مصير الحاج محمد أمين الحسيني الذي أصبح خارج الصورة الفلسطينية.
ولعل ما يشير إلى أن إسرائيل كانت تخطط لكل هذا الذي يجري الآن وكان قد جرى سابقاً قبل نحو أربعة عشر عاماً، أنها بادرت إلى الانسحاب من قطاع غزة في عام 2005، وبادرت إلى إغلاق إحدى وعشرين مستوطنة، وإجلاء مستوطنيها إلى خارج هذا القطاع خلال ثمانية أيام، ونقل معسكرات الجيش الإسرائيلي إلى الشريط الحدودي الفلسطيني معها.
والغريب أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون كان قد أصرّ على «فك الارتباط» من طرف واحد مع قطاع غزة بعد إخلائه من المستوطنات والمستوطنين والقوات الإسرائيلية، وما لبثت أن أجريت انتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني، بموافقة الإسرائيليين بالطبع، أفضت إلى وصول حركة «حماس» إلى السلطة. وهنا؛ فإن ما لم يدركه بعض الفلسطينيين هو أن إسرائيل كانت تخطط لكل هذا الذي يجري في هذه الأيام، حيث بات واضحاً أن هناك مؤامرة أصبحت قيد التنفيذ عنوانها «لا لقاء بين الضفة الغربية وغزة»، وهذا كان قد كرره نتنياهو كثيراً في الفترة الأخيرة، والواضح أن هناك قراراً إسرائيليّاً استراتيجياً بهذا الخصوص بغض النظر عما أسفرت عنه الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة.
إن ما يوضح الأمور على هذا الصعيد أكثر فأكثر هو أن نتنياهو قد أعلن أن قطر طلبت منه منع أي لقاء بين «القطاع» والضفة الغربية، وأنه قد أعلن أنه سيمنع أبو مازن من الوصول إلى غزة. والمعروف أن أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني كان قد قام بعد انقلاب «حماس» الدموي في عام 2007 بزيارة «دولة» إلى هذا القطاع الذي بات «الأشقاء» القطريون يتعاملون معه كمحمية قطرية تابعة لـ«الدوحة» في كل شيء وفي كل كبيرة وصغيرة.
وهكذا؛ وبالتأكيد، فإنه مما بات واضحاً أن إطلاق ذلك الصاروخ «المجهول» من غزة على إحدى ضواحي تل أبيب كان مجرد بداية المسرحية التي أدت إلى تصعيد عسكري شكلي أراده بنيامين نتنياهو من أجل الذهاب إلى صناديق الاقتراع وفي يده هذه الورقة التي قدمتها إليه «حركة المقاومة الإسلامية» والتي أضافها إلى ورقة «هضبة الجولان» وورقة «اعتراف ترمب بالقدس عاصمة موحدة للدولة الإسرائيلية».
تجدر الإشارة هنا إلى أن عضو «مركزية فتح» وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عزام الأحمد، المكلف ملف العلاقات مع «حماس»، قد اتهم «حركة المقاومة الإسلامية» بالعمل من خلال «التهدئة» على خلق إطار سياسي من أجل صفقة أوسع تفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وإنشاء كيان سياسي في القطاع يكون بديلاً لحل الدولتين؛ أي دولة على كل الأراضي التي احتلت في حرب عام 1967، إلى جانب الدولة الإسرائيلية، والأخطر هنا هو أن هذا المسؤول الفلسطيني لم يستبعد أن تشهد الأيام المقبلة لقاءات بين هذه الحركة والإدارة الأميركية.
في كل الأحوال؛ فإن المشكلة تكمن في أن قرار مجلس الأمن الدولي، الذي كان قد صدر في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1967 والذي قد مرَّ عليه حتى الآن اثنان وخمسون عاماً، قد قدمته بريطانيا بصيغتين؛ إحداهما باللغة العربية، ونصَّت على انسحاب القوات الإسرائيلية من «الأراضي» التي احتلت في «النزاع»، في حين أن الأخرى باللغة الإنجليزية قد حذفت «ال» التعريف من كلمة «الأراضي» لتصبح «أراضٍ»، وهذا هدفه المحافظة على الغموض في تفسير هذا القرار الذي نص على إنهاء حالة الحرب والاعتراف بإسرائيل دون ربط ذلك بحل القضية الفلسطينية التي عُدّت مشكلة لاجئين وليست مشكلة الاستيلاء على «أراضٍ» بواسطة الحرب.
وهكذا؛ فقد تمسك الإسرائيليون بهذا النص، وعدّوا أن الضفة الغربية «أراضٍ» احتلت بـ«النزاع»، وأنها أرض متنازع عليها، وهذا ما جعل الأردن يرفض الانسحاب الإسرائيلي من «القطاع» في عام 2005، وأصرَّ على تطبيق القرار الدولي بنصه باللغة العربية، الذي نصَّ في فقرته الأولى على انسحاب القوات الإسرائيلية من «الأراضي» التي احتلت عام 1967 وعلى أساس أن «الضفة» و«القطاع» أرض واحدة يجب أن تعامل معاملة واحدة، وكانت المخاوف الأردنية من أن إسرائيل «ستتمسك» بصيغة قرار مجلس الأمن رقم «242» القائلة بالانسحاب من «أراضٍ» وليس «الأراضي» وستعدّ أن الانسحاب من غزة فقط هو المعني بهذا النص البريطاني باللغة الإنجليزية.
والواضح أن «حماس» ومعها حلفاؤها، وفي طليعتهم إمارة قطر، قابلة بهذه الصيغة البريطانية باللغة الإنجليزية، وأنها ذاهبة في هذا الشوط حتى النهاية.
وهكذا؛ ومن خلال كل ما تم استعراضه آنفاً، فإن المؤكد أن هناك مؤامرة خطيرة على فلسطين والشعب الفلسطيني وعلى الأردن أيضاً والأمة العربية بأسرها.
إن الأردن لا يمكن أن يكون طرفاً في حكم ذاتي منقوص في الضفة الغربية، ولا يمكن أن يقبل بأي حل إلا الحل الذي جاء في نص القرار «242» باللغة العربية، القائل بانسحاب القوات الإسرائيلية من «الأراضي» التي احتلت في حرب يونيو (حزيران) عام 1967، وهي قطاع غزة والضفة الغربية.
وعليه؛ وفي النهاية، فإنه لا بد من السؤال عما سيحدث ما دام من الواضح أن «حماس»، ومعها حلفاؤها، ذاهبة في هذا الشوط حتى النهاية، وأن إسرائيل، وبغض النظر عما أفرزته انتخابات أول من أمس، سوف تتمسك بنص قرار مجلس الأمن باللغة الإنجليزية، وستضع يدها في يد «حركة المقاومة الإسلامية» على أساس أن قطاع غزة هو ما نص عليه قرار مجلس الأمن آنف الذكر رقم «242».
وإجابة عن هذا السؤال؛ أن ما سيحدث، إذا بقي الإسرائيليون يتمسكون بأن الضفة الغربية أرض متنازع عليها وأنه لا أكثر من حكم ذاتي منقوص للفلسطينيين فيها، هو العودة إلى المقاومة بكل أشكالها... وليحدث بعد ذلك ما سيحدث، مع التأكيد على أن أصحاب الحق هم المنتصرون في النهاية.