سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

لسنا أقل كرامة من الصينيين والروس

لا نملك التشريع الذي يرقى إلى حجم التحدي الجديد الذي لم نعتد عليه، أسقطت دول عربية من خلال سلاح جديد ارتبكت في التعامل معه تشريعياً؛ هل تعده خيانة أم هو درجة أدنى منها؟
أدركنا خطورة القوى العابرة للحدود السياسية كسلاح استُخدم في الاعتداء عليك وإسقاط دولتك دون جيوش أجنبية ودون صواريخ، تدخلات وعقوبات وعزل بالاستعانة بأفراد من الداخل من موطني الدول، لا يتصلون بجيوش أجنبية، بل بقوى دولية.. قوى عابرة للحدود هي من يقوم مقام الجيوش الآن، هي من يسقط نظامك ويخلق فوضاك الذي يؤدي إلى انهيار الدولة، ولم نملك بعد التشريع الذي يتواكب وهذا الالتفاف وتلك اللعبة القذرة التي تمارس ضدنا.
قصة الجلسة التي عقدت في الكونغرس الأميركي واستضافت نشطاء حقوقيين مصريين، بينهم فنانان، هما عمرو واكد وخالد أبو النجا، هي ذاتها قصة بنات الخواجة من البحرين، وقصة أحمد جلبي من العراق، وغيرهم من دول عربية أخرى، قصة حصان طروادة العربية التي أقحمت التدخل الأجنبي في الشأن الوطني المحلي، والتي عجزت تشريعاتنا أن تجرّمها وتتعامل معها «كخيانة عظمى» رغم أنها كذلك، لكنها نجت إلى الآن من تلك التهمة، لا لأنها لا ترقى إلى الخيانة، بل لأنها استخدمت وسيلة لم تجرّم في السابق؛ وذلك لأنها لم تستخدم كما هي اليوم. نحن نعيش مرحلة جديدة نخوض فيها حرباً جديدة ذات أسلحة جديدة، وتشريعاتنا ما زالت تعيش في الماضي.
الأفراد الذين «يحجون» للكونغرس كلما آن أوان الضغط على أي دولة عربية فتفتح لهم الأبواب في واشنطن، ثم في مجالس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في جنيف، ثم تمهد لهم الطرق للوصول للمنظمات الحقوقية الدولية وعبر شهادتهم تتخذ عقوبات تستهدف الضغط على الدول وتشجع التحريض الشعبي عليها لتخلق الفوضى، احترنا في تصنيفها تشريعياً، لكننا عرفياً نجزم أنها خيانة.
وما ذلك إلا لأن دولنا لم تعتد مثل هذه الوسائل «العدائية» الجديدة، وهي التي تعودت أن الاعتداء عليها له صور تقليدية تأتي على شكل غزو بجيوش أو إطلاق صواريخ، والخيانة تكون بالاتصال بتلك القوات المسلحة الأجنبية أو باستخباراتها، فاستعدت بالتسلح وإعداد الجيوش، وبتشريعات تخوّن تلك النوعية من الاتصالات، ثم وقفت تشريعاتنا حائرة أمام هذا النوع من «الاتصال»، رغم أن نتيجته واحدة. مؤخراً أدركنا أن هذا النوع من الاتصالات أدى إلى إسقاط دول، وبعضها على وشك، وأن تلك الاتصالات كانت هي المفاتيح.
ألم يأن الأوان أن تضع تشريعاتنا التي نحدد نحن فيها طبيعة تلك الاتصالات؟ وما يجوز منها وما لا يجوز وفقاً لمنظومتنا التشريعية؟
حجة خالد أبو النجا وعمرو واكد هي حجة كل من يرعاهم توم مالينوفسكي بأنه يحق لهم كأفراد الاتصال بالحكومات الأجنبية ودعوتها للتدخل في الشأن المحلي ما دام للحكومات الحق في الاتصال بالحكومات الثانية، وفي الاتصال بالمنظمات الدولية يجوز للأفراد أن يقوموا بالشيء ذاته، المفارقة أن هذا التيار اليساري الذي ينتمي له توم مالينوفسكي يتهم ترمب بالخيانة لأنه تعاطى مع الروس وسمح لهم بالتدخل في الانتخابات!
نحن هنا لا نتحدث عن أعضاء منتخبين يمثلون الشعب اختارهم للتحدث باسمهم، بل عن أفراد يدّعون أنهم يمثلونه ويتحدثون باسمه، ويطالبون ويستجدون التدخل الأجنبي والضغط على حكوماتهم، فماذا نصنّف هذا النوع من الأفعال؟
نقابة الممثلين فصلتهما واتهمتهما بالخيانة العظمى، إنما دون أن ترفع ذلك للقضاء؛ لأن القانون المصري لا ينص على أن ذلك الشكل من الاتصالات «خيانة»، وهو الإشكال ذاته الذي عانينا منه في البحرين، وبيننا وبين الحكاية المصرية قواسم مشتركة عدة، أهمها ترددنا في النص التشريعي في حسم إشكالية الاستعانة والاستقواء بقوى خارجية أياً كانت، حكومة دولة أجنبية أو منظمات دولية للضغط والتأثير على قرارات محلية.
ما يجمعنا هو الخلاف على الحدود الفاصلة بين السيادة والأممية، وهو خط ناري أحمر يتهم فيها من يتجاوزه بالخيانة العظمى دون نص، في حين من يتخطاه يحتج بأن هناك قيماً أممية إنسانية يحق للمواطنين الاستعانة بأي ما كان كي تفرضها على الشأن المحلي، تلك هي الإشكالية التي لا بد أن تحسم في دولنا العربية، هي تحديد الخط الفاصل بين ما يجوز وما هو مجرّم في التواصل مع القوى والتنظيمات الخارجية.
ما لم نكن واضحين جداً وحازمين وبلا تردد كما تفعل الصين وكما تفعل روسيا بلا لبس، فإن هذا الباب سيظل مفتوحاً.
ازدواجية مقيتة لا تتناسب مع ما أجازوه للخونة من العرب الذين وفّروا لهم غطاء الحماية الدولية، إنما آن الأوان لأن نحمي أنفسنا، ولسنا أقل كرامة من الروس والصينيين.