نوح فيلدمان
أستاذ القانون بجامعة هارفارد وكاتب بموقع «بلومبيرغ»
TT

اليمينيون المتطرفون والراديكاليون الإسلامويون

أثارت مذبحة مسجدي كرايستشيرش في نيوزيلندا، التي أسفرت عن مصرع 50 شخصاً على أيدي أحد العنصريين البيض المسلحين، جولة جديدة من النقاش بشأن ما إذا كانت أعمال العنف العنصرية القومية ينبغي التعامل معها مثل «الإسلام الراديكالي» أم لا. وتناولت المناقشات عدة مواضيع من الناحية النظرية والعملية، غير أنها تفتقد عنصراً بالغ الأهمية، ألا وهو أن البنية القانونية للتعامل مع هاتين القضيتين مختلفة للغاية.
تولى قانون الدعم المادي بالولايات المتحدة الاضطلاع بمسألة الجانب القانوني للحرب على الإرهاب، وهو قانون يتسم بالصرامة الواضحة في تعامله مع ومعاقبته على المساعدة أو الانتماء إلى تنظيمات إرهابية بعينها.
غير أن الفئات الإرهابية التي يتناولها القانون المذكور هم أولئك الذين ينتمون إلى منظمات أجنبية معينة ومدرجة على قائمة وزارة الخارجية الأميركية. ويشمل ذلك تنظيم «القاعدة» وتنظيم «داعش» الإرهابيين، وكثيراً من الجماعات والتنظيمات الإرهابية الأخرى، ومعظمها إسلاموي الطابع والصفة والتوجه، إلا أن القانون لم يتطرق إلى أي جماعات أو تنظيمات من العنصريين البيض.
وحتى الالتفات إلى تغيير أي طرف من أطراف هذه المعادلة الراهنة، فإن الأدوات القانونية المتاحة في مكافحة عنف العنصريين البيض في الولايات المتحدة لا يمكنها الاقتراب من تلك الفئات التي لم تتلقَ التدريب وفق أدبيات أو أساليب الجماعات الإرهابية ذات الطابع الإسلاموي.
ويسمح قانون الدعم المادي في الولايات المتحدة للحكومة الأميركية باتخاذ الخطوات القانونية ضد الإرهابيين وأعوانهم من الذين لا تقترب منهم الأنظمة القانونية في البلدان الديمقراطية الأخرى.
والقانون الأميركي لا يحظر أعمال الإرهاب فحسب، وإنما يحظر كذلك أي شكل من أشكال الدعم الجاد والمفيد للجماعات والتنظيمات الإرهابية المدرجة على قوائم وزارة الخارجية الأميركية.
ومن شأن معنى «الدعم» أن يشتمل على الانضمام إلى أي منظمة إرهابية من دون القيام فعلاً أو الاضطلاع بأي عمل من أعمال العنف المعروفة. واستكمل نص القانون بحظر جديد على التآمر لأجل توفير الدعم المادي، ويمكن تمديد أثره إلى محاولة الانضمام إلى مثل هذه الجماعات في أي مكان. وحتى مفهوم الارتباط الذاتي - وهو ذلك النوع من الارتباط الممارس من خلال الإرهابيين الذين تطرفوا على نحو ذاتي، والذين أقسموا بالولاء لتنظيم «داعش» الإرهابي من دون وجود اتصال حقيقي وفعلي مع التنظيم على أرض الواقع - يمكن اعتباره من حملة جهود الدعم المادي المجرمة بموجب نصوص القانون.
إن اتساع نطاق القانون المذكور من بين الأسباب التي حالت لدى الولايات المتحدة دون عقد المناقشات العامة، كمثل التي تُدار في البلدان الأوروبية، بشأن كيفية التعامل مع المواطنين العاديين العائدين من التجنيد والقتال في صفوف تنظيم «داعش» الإرهابي بعد انهيار خلافة التنظيم في سوريا والعراق. وفي الولايات المتحدة، على العكس من أوروبا، يمكن توجيه الاتهامات الجنائية بشأن العائدين من الانضمام والقتال في صفوف التنظيم بتوفير الدعم المادي المباشر لإحدى الجماعات الإرهابية المدرجة، ومواجهة الأحكام القضائية بالسجن في حالة الإدانة. ونتيجة لذلك، لا يحاول أحد العودة إلى الولايات المتحدة أبداً، وإن فعلوا فلن يكون على سبيل العلن أبداً.
ومن شأن كل ما تقدم أن يجعل قانون الدعم المادي من الأدوات القانونية الفاعلة والمفيدة في مكافحة الإرهاب. ولكن القانون نفسه يهدد أيضاً حرية التعبير وتكوين الجمعيات.
وقد قضت المحكمة العليا الأميركية بأنه في حين أن كل المواطنين أحرار في الدعوة لتأييد أفكار كل من تنظيم «القاعدة» أو تنظيم «داعش» على أساس مستقل منفرد، فإن هناك مصادرة واضحة على حقوق حرية التعبير من قبل الدعوة المتسقة اتساقاً تاماً مع أي مجموعة أو رابطة أو تنظيم آخر. وهذا الأمر صحيح حتى بالنسبة إلى الدعوة إلى السلوكيات المجتمعية السلمية.
وسحب قانون الدعم المادي على العنصريين البيض يستلزم من وزارة الخارجية الأميركية تصنيف وتعيين جماعات أجنبية محددة بأنها جماعات إرهابية. ومن ثم يمكن تمديد مظلة القانون المذكور كي تشمل المواطنين الأميركيين الذين يرتبطون بتلك الجماعة أو التنظيم ويوفرون لها الدعم المادي بشتى صوره وأشكاله.
وهذا من الأمور التي لا يستحيل تصورها. فهناك جماعات يمينية متطرفة خارج الولايات المتحدة ضالعة للغاية في بعض أعمال العنف والإرهاب.
لكن حتى اللحظة الراهنة، يبدو أن أغلب العنصريين البيض منخرطون في الانضمام إلى حركة معينة أو مع شخصيات بعينها، مثل القاتل النرويجي أندرس بهرنغ بريفيك. ولا يبدو أنهم ضالعون لدى تنظيمات معينة من النوع المدرج على تصنيفات الخارجية الأميركية، الأمر الذي يجعل من قانون الدعم المادي غير ذي صلة مباشرة في هذا الصدد.
ومن شأن قانون جديد أن يستند إلى نموذج آخر من الدعم المادي ويُشكل على الجماعات المحلية. ولكن قد لا ينجح هذا المسعى كذلك، إذ إن الإرهابيين العنصريين البيض لا يميلون بطبيعتهم إلى الانضواء تحت رايات التنظيمات المحلية.
فهل يمكن لفكرة الدعم المادي أن يتسع نطاقها كي تشمل دعم الآيديولوجيات مثل تفوق العنصر الأبيض، وليس مجرد الانضمام لجماعة من الجماعات؟ لن يكون ذلك يسيراً في مواجهة المشكلات الدستورية، وحتى المشكلات الأكثر خطورة وجدية منها، التي يثيرها قانون الدعم المادي المعمول به راهناً.
فإن تحول تأييد فكرة أو آيديولوجيا ما، بدلاً من دعم منظمة بعينها، إلى جريمة، من شأنه القضاء تماماً على نسخة الولايات المتحدة المعتمدة من حرية التعبير.
كل الأفكار محمية بموجب قوانين حرية التعبير في الولايات المتحدة، حتى الأفكار الخطيرة منها. ووفقاً إلى قضية المحكمة العليا الأميركية الشهيرة لعام 1969 بعنوان «قضية المحكمة العليا ضد براندينبورغ»، يمكن في المعتاد حظر حرية التعبير فقط عندما يكون المتحدث يعتزم التحريض على ارتكاب أعمال العنف الوشيكة، وأنه في الحقيقة من المحتمل له التحريض المباشر على ارتكاب هذا العنف.
ويذهب قانون الدعم المادي لما هو أبعد من ذلك. فإن الخطاب المنسق مع مجموعة أو تنظيم إرهابي أجنبي بعينه يمكن أن يبقي المعاقبة بموجب أحكام القانون حتى وإن لم يحرض علناً ومباشرة على ارتكاب أعمال العنف الوشيك. ويصح هذا الأمر حتى وإن كان الخطاب الموجه من قبل أحد المواطنين الأميركيين داخل الولايات المتحدة نفسها.
وعند الاعتقاد بأن الظروف تستلزم ذلك، يمكن «ليّ» أعناق قانون حرية التعبير لخدمة أو استيعاب المطلب العام. ومن شأن ذلك أن يحدث، في خاتمة المطاف، في حالة ارتكاب أعمال الإرهاب المحلية ذات الصفة العنصرية.
ونحن لم نبلغ هذه المرحلة من التطور بعد، رغم كل شيء. ويرغب المواطنون الأميركيون في حماية حرية التعبير أثناء حماية أنفسهم وحياتهم سواء بسواء. وكما يظهر من أحكام قانون الدعم المادي، بمجرد ما يشرع الرأي العام في الشعور بالقلق والارتياب حيال تهديد ما، يكون من السهل تماماً الحد من الحريات المدنية المتاحة تحت اسم الدفاع عن وحماية هذه الحريات.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»