علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

المطلوب... ثورة

في عالمنا العربي نحتاج إلى ثورة. ثورة من نوع مختلف ليست كثورة العسكر لا سيما أولئك الذين أرادوا توريث أبنائهم، وليست ثورة كثورات الربيع العربي التي جرّت الخراب على ديار بني يعرب. بل نحتاج إلى ثورة في التعليم الذي ظل يعاني ويعاني من سوء المخرجات، ومخرجات التعليم هي عماد تنمية الأمم وأيضاً هي ضلع الاقتصاد الثالث. فسنغافورة حين رغبت أن تتطور ألغت الجيش وصرفت مخصصاته على التعليم، وأنا لا أنادي بإلغاء الجيوش العربية وإنما أنادي خبراء التعليم في العالم العربي والمشرفين عليه لمراجعة مناهج التعليم، فمن العار أن تخرّج الجامعات العربية قوى عاملة لا تتناسب مع سوق العمل.
في عالمنا العربي يتم التركيز على مناهج لا تمتُّ إلى متطلبات سوق العمل بأي صلة، فالطالب العربي يدرس ستة عشر عاماً وفي الأخير يجد نفسه على رصيف البطالة، فمناهجنا العربية لم توافق العصر سواء في متطلبات اللغة الإنجليزية أو وسائل التقنية الحديثة. وفي جامعتنا العربية يتفلسف المنظِّرون بأن مهمة الجامعات التعليم وليس مواكبة سوق العمل، وإن كنت أتفق في جزئية بسيطة من هذا فإني أستغرب أن تقبل الجامعات أعداداً كبيرة في تخصصات نظرية لا يجد خريجوها عملاً يقتاتون منه. شركاتنا تطلب من المتقدمين للوظيفة تعبئة نموذج طلب التوظيف باللغة الإنجليزية وكذلك تطلب سيرة ذاتية للمتقدم باللغة الإنجليزية، في حين أن معظم خريجي جامعاتنا العربية لا يجيدون اللغة الإنجليزية. لذلك يشعر الخريجون بأن مدة دراستهم كانت كمحكومية سجين حُكم عليه بالأشغال الشاقة، فبعد أن كان يرسم أحلاماً لمستقبل أفضل وجد أن أحلامه تصطدم بأرض الواقع لتتبخر في السماء تاركةً وراءها باباً مفتوحاً مليئاً بالتساؤلات أهمها: كيف أضعْتُ كل هذه السنوات لأجد نفسي على رصيف البطالة؟! رغم أن تراثنا العربي قد عالج ذلك عبر كتاب ابن عبد ربه «العقد الفريد» حيث قال: «العلم علمان، علم يُحمل وعلم يُستعمل، وقليلٌ من العلم يُستعمل خيرٌ من كثيرٍ من العلم يُحمل»، ولو اتخذت جامعاتنا العربية قول ابن عبد ربه شعاراً لها لنجا خريجوها من البطالة.
للأسف لم ينجُ من البطالة من خريجي جامعاتنا العربية إلا من أعاد صياغة نفسه عبر إعادة التأهيل وهذه كلفة المال والوقت.
الثروة البشرية في عالمنا العربي ثروة غير مستغلة رغم أنها أهم من النفط وأهم من المعادن الثمينة، وأستغرب من وزارات التربية والتعليم في عالمنا العربي، رغم قدمها، أنها لم تراجع مناهجها التعليمية لتجعل من البشر ثروة طبيعية تدرّ المال سواء داخل أوطانها أو خارجها، فشركاتنا تجلب الخبراء من الخارج وبعض العرب الذين توفرت لهم فرص تعليمية في خارج أوطانهم يتبوأون مراكز متقدمة في الشركات الأوروبية والأميركية مما يدل على أن الخلل في مناهج التعليم العربي لا في الأفراد، ولو حرصنا على تطوير التعليم لوجدنا الفرد العربي يحتل مركزاً متقدماً في وطنه، وحتى المهاجرين سيكونون دعماً لأوطانهم سواء في توطين الصناعة أو نقل التقنية. وبنوكنا العربية حالها كحال الشركات الأخرى، فهي تستقطب المستشارين الماليين للاستفادة من خبراتهم، ولو ركزنا على التعليم المالي لقلّ عدد الخبراء الماليين لدينا ولصدرنا فائضاً للدول الأخرى. لا أعرف متى سيتنبأ القادة السياسيون في عالمنا العربي بأننا في حاجة إلى ثورة تعليمية تجعل الفرد العربي في مصافّ الأفراد الآخرين من الدول الأجنبية، إذ إن مناهجنا العربية ركيكة ولا تناسب متطلبات العصر.