د. شمسان بن عبد الله المناعي
TT

قمة الرياض تكسب الرهان

ما أن كادت قضية خاشقجي، التي أرادت منها بعض الجهات المتخصصة شن الحملات الإعلامية للنيل من السعودية تنتهي، حتى عادت مرة أخرى تقوم بالدور نفسه للانتقاص من أهمية القمة الخليجية التي عقدت في الرياض، بحكم أن السعودية أصبحت اليوم مستهدفة من جهات تسعى إلى تحجيم الدور السعودي ولم ينالوا ما تمنوا، حيث أظهرت هذه القمة التلاحم الخليجي حتى في وقت الأزمات؛ فالأمم التي تمر بأخطار تزيدها هذه الأخطار والتهديدات قوة وصلابة، وهذا ما تجلى بوضوح في هذه القمة.
وقبل أن تبدأ القمة ظهرت الأفاعي من جحورها مرة أخرى لكي تراهن على حدوث انقسام بين دول المجلس، بيد أن توقعاتهم ومراهناتهم جاءت مخيبة لهم عندما أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ضرورة الحفاظ على كيان مجلس التعاون الخليجي، مضيفاً: «أثق في أن جميع الدول الأعضاء حريصة على الحفاظ على مجلس التعاون الخليجي»، مشيراً إلى أن المجلس ساهم في تعزيز الأمن والاستقرار والنماء للمواطن الخليجي.
ورغم أن الظروف السياسية والأمنية المحيطة بالمنطقة دقيقة حيث الأزمة مع قطر، والوضع في اليمن في ظل محادثات السويد مع الحوثيين، فإن القمة أكدت ثوابت مهمة؛ أولها أن المجلس لم يوجد إلا ليبقى، وتم التأكيد على جميع الاتفاقيات التي حققها المجلس، حيث لا تزال القافلة تسير بأمان، وأكد المجلس في البيان الختامي ضرورة وضع خريطة طريق تشمل تفعيل الإجراءات اللازمة لتحقيق التكامل بين دول المجلس، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وإعلاء مكانة دول المجلس والارتقاء بأداء أجهزته وتعزيز دوره الإقليمي الدولي.
وهناك من يتساءل: لماذا نجحت دول المجلس في ردع إيران وفي مرحلة ما العراق ولكنها فشلت في مواجهة قطر وأن المجلس مهدد بالانقسام؟ وهذا القول مردود عليه؛ حيث إن قطر رغم أنها تشكل خطراً على دول المجلس بدعمها للإرهاب فإن قطر تبقى في النهاية دولة خليجية. وكما قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إنه ليس هناك خلاف مع قطر، وإنما لدينا مجموعة مطالب على قطر أن تنفذها، وبخاصة أنها تتعلق بالأمن الخليجي وتنتهي المشكلة. أما الكويت فهي لا تقل حرصاً من غيرها على بقاء المجلس، وكذلك عُمان لم تبدِ موقفاً معارضاً؛ لذا فإن الدولة الوحيدة التي كانت وما زالت تغرد خارج السرب منذ نشأة المجلس هي قطر، ونقول هنا: أين الانقسام الثلاثي الذي تتحدثون عنه وأن نهاية المجلس قد قربت؟
والنجاح الذي حققته القمة جاء لعدة أسباب، أهمها أنها عقدت في الرياض عاصمة السعودية، وذلك أعطاها زخماً عالمياً بحكم أن المملكة العربية السعودية أصبحت من أهم الدول التي تحارب الإرهاب، ودائماً ما تثمن دول العالم، وخصوصاً أميركا، دور السعودية في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة الحيوية في العالم، وهذا ما أكده وشدد عليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب أثناء أزمة خاشقجي عندما قال: «إن المملكة العربية السعودية هي حجر الأساس في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة الغنية بالنفط».
والسبب الثاني لنجاح القمة هو أن السعودية دورها لم يتوقف عند حد الأقوال في حماية واستقرار دول الخليج العربية الدول الغنية بالنفط وتحتل موقعاً بين دول العالم، بل ترجمته إلى أفعال حينما هبت في القيام بـ«عاصفة الحزم» ضد الحوثيين في اليمن، وقيادة التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، والحفاظ على سلامة وأمن المنافذ البحرية والجوية الحيوية، وتلاقت مصالحها مع الإدارة الأميركية الجديدة التي أعادت العقوبات ضد إيران بسبب مشروعها النووي، ومن هنا اكتسب الدور السعودي أهمية استراتيجية، ليس لأميركا فقط، وإنما للعالم الذي تضرر من رعاية النظام الإيراني للإرهاب وتمويله له، وتدخله في الشؤون الداخلية لبعض دول العالم، وبهذا أصبح النظام الإيراني في وضع لا يحسد عليه.
من هنا خرجت القمة الخليجية في الرياض بقرارات قوية، والتأكيد على الاتفاقيات بين دول المجلس والتعاون في المجال الأمني والعسكري وعلى الجانب الاقتصادي، ومواصلة مشاريع المجلس في هذا المجال، وبقي النظام القطري يولول ويمول الجماعات المتطرفة، ولم يعطِ المجلس موضوع قطر أي أهمية، وذلك لأن موضوع قطر محسوم، وقرار المقاطعة لا رجعة فيه، إلا إذا نفذ النظام القطري المطالب المشروعة. ومن جانب آخر هناك دولة وهي مصر طرف في الدول المقاطعة لقطر، فلا يمكن مناقشة الموضوع بعيداً عنها.