إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

ولد اسمه سطّوف

كانت له زاوية أسبوعية في مجلة «شارلي»، ينشر فيها رسوماً كاريكاتيرية بعنوان «الحياة السرية للشباب». ولما تجمعت لديه حصيلة كافية منها، تقدم بها إلى دار متخصصة في نشر القصص المصورة. لكنهم رفضوه. وذهب بالرسوم إلى ناشر آخر ولقي الكتاب نجاحاً طيباً. غير أن المؤلف بدأ يكتئب وهو يواصل تلك السلسلة. شعر بأن الأحداث تحاصره والكوارث لا تقع إلا له. لم يعد يحتمل التنقل بالمترو. ترك الأنفاق المزدحمة واشترى دراجة هوائية. ثم غادر مجلة «شارلي» كلها. وكان ذلك قبل أشهر من الهجوم الإرهابي عليها. إن رياض سطّوف هو اليوم واحد من أشهر رسامي الكاريكاتير في فرنسا. والنقاد يصفونه بأنه كاتب يرسم.
حين نشر كتابه «عربي المستقبل» لم يكن يتوقع أن يبيع ملايين النسخ. فهو لم يفعل سوى رسم الوقائع العادية في حياة طفل ولد في باريس لأب سوري وأم فرنسية. عاش سنوات من صباه في سوريا وليبيا وتردد على مدرسة تصطبغ جدرانها بشعارات الحزب الواحد. ما الغريب في تلك الحكايات المنظورة بعيني طفل لكي تستهوي القراء؟ ليس فيها سوى أن ما نتصوره حياة عادية في بلادنا هي غير عادية تماماً في «بلاد برّة». وبعد نجاح الكتاب كان لا بد من استثمار النجاح. وهكذا صدر جزء ثان، ثم ثالث. وحالياً يتصدر الجزء الرابع من «عربي المستقبل» واجهات المكتبات ويأتي في رأس مبيعات هدايا رأس السنة. يقتنيه الكبار قبل الصغار. وقد تُرجم إلى 22 لغة، منها الكورية والكاتالانية والصربية وليس من بينها العربية. لا جديد في أزمات المؤلف بالنسبة لقرائنا. كل شبابنا الذين في الأربعين، أو قبلها بقليل، هم رياض سطّوف.
على الغلاف صورة أب يلوّح مودّعاً امرأة تحمل على صدرها رضيعاً وتسحب طفلين. وكتب الناشر على الغلاف الأخير: «هذا الكتاب هو القصة الحقيقية لمراهق تتراجع شقرة شعره، من أسرة فرانكو ـ سورية، وهو أيضاً قصة انقلاب والده». وفي الداخل، من بين عشرات الرسوم، تلفت النظر صورة طفل يقف حائراً أمام درج كهربائي متحرك يصعد إلى سقف مسدود. إن بطل هذا الجزء هو الأب، الأستاذ الجامعي القومي العربي الذكوري المعادي للسامية، الذي انتهى أصولياً. وهو فوق هذا كله معجب بصدّام حسين. يروي لابنه كيف كان الرئيس العراقي يتيماً عُومل بقسوة في طفولته. ولما قام بانقلابه وصار رئيساً، جاء بكل الرفاق الذين ضربوه وهو صغير وأعدمهم. إن الأب يجد نفسه في صدّام. فهو أيضاً تعرّض للضرب على يد شخص يدعى الحاج محمد، وما زال، رغم تقدمه في السن، يشعر بالألم كلما تلمّس خاصرته وموضع البطيخة التي قذفه بها الحاج دونما سبب. لكنه يقول: «لو قمت بانقلاب وصرت رئيساً فلن أعدمه... إنه أخي».
تبدو كتب رياض سطّوف فكاهية. لكنها ليست كذلك. إن هناك حزناً ثقيلاً يغلف حكايات الولد العربي الصغير. ولعله الأسى نفسه الذي لاحظته صحافية أجرت معه مقابلة في عربة القطار. رأت عينين ضاحكتين مع قلق لم يتمكن النجاح الكبير من تبديده. كان ذاهباً للقاء قرائه في مدينة نانت وتوقيع كتابه الأخير لهم. وقد حجزوا له صالة تتسع لخمسمائة شخص. لكن عدد الذين سجلوا أسماءهم للحضور زاد على أربعة آلاف. وكانوا يضحكون وهو يسخر من نفسه ومن اختياره أبشع تلميذ في الصف ومن الذين يتهمونه بأنه يساير نظرة الغربيين للإسلام. ولم تكن البنات يقبلن صداقته بسبب اسمه الغريب. مَن تصاحب ولداً اسمه سطّوف مطّوف ططّوف؟