قد يحتاج التاريخ لبعض الوقت قبل أن يصدر أحكامه، لكن الإطار العام هو جورج هربرت واكر بوش. في السياسة الخارجية تحديداً، فإن إنجازات الرئيس رقم 41 للولايات المتحدة، المعروف باسم «بوش 41» ليسهل تمييزه عن ابنه جورج واكر بوش رقم 43، باتت معروفة ومعترفاً بها من قبل الجميع. لكن ما يمنع من اعتباره أحد أهم الرؤساء الأميركيين هو عدم فوزه بفترة رئاسة ثانية، ذلك لأن المؤرخين المعروفين يجدون صعوبة في تصنيف الرؤساء الذين تولوا مناصبهم لفترة واحدة فقط.
يحتفي أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري على حد سواء ببوش الذي ينتمي للحزب الجمهوري لسحره ونزاهته. فقد كان رجلاً شاملاً ولم يكن لديه وقت للتفكير في خصومه وكارهيه، وهو ما يفسر انعدام الاحترام المتبادل بين عائلتي بوش وترمب. فعائلة بوش التي يقودها نجل الرئيس الراحل، جورج دابليو بوش، الرئيس رقم 43 في تاريخ الولايات المتحدة، حتماً ستقلل من قيمة أي دور يؤديه ترمب في الترتيب لجنازة الرئيس الراحل.
لكن مع مرور الوقت، بدأ التقدير الكبير لإنجازات الرئيس تتجلى بدرجة أكبر مما كانت عليه عندما غادر البيت الأبيض عام 1993. فقد أدار هو ووزير خارجيته جيمس بيكر عملية تفكيك الاتحاد السوفياتي وإنهاء الحرب الباردة بمهارة كبيرة.
حصل بوش على الدرجة النهائية في حرب الخليج الأولى عام 1991 عقب الغزو العراقي للكويت، بعدما حشد قوات التحالف الدولي لإجبار صدام حسين على الخروج من الكويت، لتخور قوى صدام بعدها، وبعد ذلك رحلت القوات الأميركية عن المنطقة. لكن من الصعب مقارنة تلك الحالة بما فعله ابنه بعد عشر سنوات، عندما أزاحت الولايات المتحدة صدام حسين قبل أن تحتل العراق.
يعتبر فريق سياسته الخارجية، الذي ضم بيكر ووزير الدفاع ديك تشيني ومستشار الأمن القومي برينت سكوكرافت، الأفضل أداء في التاريخ الحديث. وكان ذلك تتويجاً لمرحلة إعداد دامت عقوداً كثيرة إلى أن أصبح بوش الرئيس المسؤول عن السياسة الخارجية لبلاده، بدءاً من الفترة التي كان فيها ضابطاً في القوات الجوية في الحرب العالمية الثانية.
وكان «قانون الإعاقة» الذي أيده وصدق عليه بوش عام 1990 أهم قانون جرى سنه في البلاد خلال ربع قرن كامل. ويجادل كثير من خبراء الاقتصاد بأن الفضل في الرخاء الذي عم البلاد في عهد كلينتون يعود إلى موافقة بوش على حزمة الإجراءات الخاصة بتقليص عجز الموازنة العامة عام 1990. فقد قلص ذلك من النفقات ورفع الضرائب، ما أدى إلى إثارة غضب الجمهوريين المحافظين، وهو ما قد يكون سبباً في ضياع الفترة الرئاسية الثانية. لكن عام 2014، كان لتلك القرارات الفضل في منحه جائزة جون كيندي في الشجاعة.
ولد بوش في ولاية كنيتيكيت لأب عضو في الكونغرس هو بريسكوت بوش، وانتقل لاحقاً إلى تكساس ليجني كثيراً من المال من صناعة البترول، وفاز مرتين في انتخابات مجلس النواب، لكنه خسر في انتخابات مجلس الشيوخ. شغل مناصب سياسية ودبلوماسية عليا في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، ثم خسر كمرشح جمهوري في الانتخابات الرئاسية أمام رونالد ريغان قبل أن يصبح نائباً مخلصاً له.
من أكثر المواقف التي تركت أثراً في حياته كانت علاقته بخصومه السياسيين. ففي عام 1984، دخل في مناظرة سياسية مع عضو الحزب الجمهوري جيرالدين فيرارو، أول سيدة ترشح لذلك المنصب، لكنهما لاحقاً أصبحا صديقين مقربين. وكانت آخر مكالمة هاتفية لها قبل وفاتها بمرض السرطان مع بوش، وخلال تلك المكالمة اعترفا بحب بعضهما بعضاً.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»
8:11 دقيقه
TT
بصمات لا تنسى لجورج بوش الأب
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة