يوجين روبنسون
كاتب اميركي
TT

إسرائيل والحرب والمسؤولية الأخلاقية

تعد حصيلة عدد القتلى من المدنيين في غزة جراء الاجتياح الإسرائيلي الأخير أمرا مروعا. وفي الحقيقة يعد حق الدفاع عن النفس من الحقوق الراسخة والثابتة، لكنه ليس خاليا من القيود الأخلاقية.
حتى وقت كتابة هذه السطور، قُتل ما يقرب من 750 فلسطينيا، بينهم عشرات الأطفال، منذ بدء الهجوم الإسرائيلي. وفي يوم الخميس، قصفت إسرائيل مدرسة تابعة للأمم المتحدة، كانت تؤوي عددا كبيرا من المقيمين في غزة فروا من منازلهم بحثا عن مأوى للاحتماء، ولا تزال تلك الواقعة قيد التحقيق من قبل الجيش الإسرائيلي. وحسبما أفاد المسؤولون الفلسطينيون، فقد لقي 15 شخصا مصرعهم، وجُرح العشرات. إنني أؤيد إسرائيل ولا أؤيد حماس، ولكن استخدام مثل هذه القوة العسكرية المدمرة ضد مكان صغير مكتظ بالمدنيين المحاصرين - وبالتالي كُتب لهم أن يكونوا في عداد المصابين أو القتلى - خطأ بكل المعايير الأخلاقية المعقولة.
تستحق دوافع إسرائيل في غزة أن تؤخذ على محمل الجد، ولكنها لا تبرر الهجوم الذي دخل الآن في أسبوعه الثالث، فلكي تكون العمليات العسكرية الإسرائيلية مبررة، يتعين أن تكون متناسبة، ولكن ما نشهده ليس كذلك. ووفقا لما ذكره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأحد الماضي، فإن حماس «تستهدف المدنيين، وتختبئ وراء المدنيين».
نتنياهو محق في أن هذه الممارسات التي ترتكبها حماس تستحق الشجب، وأن إسرائيل لديها كل الحق في الرد على ذلك، ولكن هذا لا يعفي إسرائيل من مسؤوليتها الأخلاقية.
وتقول إسرائيل إنها تبذل جهدا كبيرا لتفادي سقوط قتلى مدنيين. وفي الحقيقة، حذرت إسرائيل الناس لمغادرة أماكنهم - من خلال النشرات والرسائل النصية. وفي الواقع أيضا كانت حماس رغم علمها بأن هناك هجوما قادما تصدر تعليماتها لسكان غزة بالبقاء في مكانهم.
عندما يقرر الناس وجوب ترك منازلهم، فإنه بإمكانهم فعل ذلك، ولكن إلى أين يذهب هؤلاء الأشخاص الذين جرى إجلاؤهم؟ إلى أقرب مدرسة أو مستشفى؟ إلا إذا كانت هذه الأماكن تعد أيضا أهدافا مشروعة لقوات الدفاع الإسرائيلي.
لا يمكن لسكان غزة الفرار عبر الحدود المغلقة مع مصر، وبالتأكيد لا يمكنهم الهروب إلى داخل إسرائيل أو الإبحار بعيدا عبر البحر الأبيض المتوسط.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إنهم لم يفكروا أبدا في شن هجوم يستهدف مدرسة أو مستشفى أو مبنى سكنيا إلا إذا كانت حماس تستخدم تلك الأماكن - التي يتعين أن يُحظر الاقتراب منها في حالة الحرب - باعتبارها مراكز للقيادة العسكرية، وكمواقع لإطلاق الصواريخ من خلالها وكمداخل للأنفاق التي يتمكن من خلالها الانتحاريون والقائمون بأعمال الاغتيال الدخول إلى إسرائيل.
ومع ذلك، نعود مجددا إلى مسألة التناسب؛ فالقيادة العسكرية والسياسية لحركة حماس لديها معلومات استخباراتية جيدة جدا عما يقوم به الجيش الإسرائيلي، كما لديها خيارات أكثر فيما يتعلق بالملجأ وتوفير المأوى مقارنة بالمواطن العادي في غزة. وبالفعل، لم نسمع عن مقتل أي من الشخصيات الرئيسية في حركة حماس. ولذا، إذا كنت قائدا إسرائيليا، وتدرك أن هناك منشأة عسكرية تابعة لحماس بالقرب من عيادة طبية، ولكنك لست متأكدا تماما من أن المسلحين لا يزالون موجودين هناك، ومن المرجح أن العيادة معبأة بالمصابين من المدنيين، فهل تظل ضاغطا على الزناد؟
التهديد الناجم عن صواريخ حماس يعد أقل بكثير مما كانت عليه في الماضي، وذلك بفضل نظام الدفاع الصاروخي المعروف بالقبة الحديدية. وإذا افترضنا جدلا أن إسرائيل ليس لديها خيار سوى الرد، فما عدد ضحايا المدنيين الفلسطينيين الذي سيكون مقبولا من الناحية الأخلاقية؟
دعوني أصوغ السؤال بشكل عملي: كم عدد ضحايا المدنيين المطلوب لضمان جيل آخر من الكراهية والحرب؟
يبدو أن حجم أعمال القتل والدمار لا تهدف فقط إلى تخفيف التهديد الفعلي الذي تشكله حماس، ولكنها أيضا ترمي إلى معاقبة سكان غزة لمساعدتهم حماس في اعتلائها السلطة في المقام الأول. ومع ذلك تشير تقارير إلى أن سكان غزة سئموا بالفعل من حماس، ويمكن لنتنياهو أن يقدم لهم مستقبلا بديلا يضمن لهم حرية التنقل، والتطور الاقتصادي، وتحقيق السلام.
* خدمة «واشنطن بوست»