محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

محترفون أو هواة!

أكثر من مرة حدث أن قام مخرج مسرحي أو سينمائي بالإعلان عن أنه حقق، أو سيحقق، عمله المقبل مع ممثلين غير محترفين. وفي أكثر من مناسبة يسارع صاحب العمل الفني للإعلان إما عن ثقته بممثليه، وإما عن أهمية هذه المحاولة التي يقوم بها.
لنتفق أولا.. ما من شيء لم يقم به آخرون قبل ذلك، وإذا ما سمح المخرج لنفسه ببعض التصفيق لنفسه، فإن ذلك يجب أن يكون ضمن الاعتراف بأن الفنين المسرحي والسينمائي شهدا مثل هذا الفعل من قبل ومنذ عقود طويلة.
أيضا هناك مسألة التفريق. هناك الممثل المحترف والممثل الهاوي، وعلى مقربة من الفريق الثاني هناك الممثلون الذين لم يسبق لهم الظهور لا أمام الكاميرا ولا فوق خشبة المسرح، أو مع ما يعرف بـ«الممثل غير المحترف».
أهمية الاستعانة بالممثل المحترف لا تقلل من شأنها محاولة البعض التعامل مع ممثلين غير محترفين أو هواة. وبعض الأعمال استفادت من الاستعانة بغير محترفين، أحدها، على سبيل المثال فقط «سارق الدراجة»، الفيلم «الواقعي» الإيطالي الذي أخرجه فيتوريو دي سيكا سنة 1948، والذي جلب إليه ممثلين غير محترفين في مقدمتهم لامبرتو ماجيوراني الذي لعب دور الأب الذي يسرق أحدهم دراجته التي تعيله في عمله. لم يكن لامبرتو ممثلا حين جرت الاستعانة به، لكنه بعد ذلك صار ممثلا محترفا وعمل فيما لا يقل عن 20 فيلما أخرى ربما آخرها «أوستيا» لسيرجيو شيتي سنة 1970.
الاستعانة بممثلين غير محترفين ولا هم هواة درسوا التمثيل أو أحبوه، سواء أكانوا جيدين فيه أو لا، ليست أمرا سهلا. ليست مجرد التقاط شخصيات من الشارع العام وإسناد دور له أمام الكاميرا، ولو أن هذا ما يحدث كثيرا. الخطر في هذه الحالة هو أن الدراما التي يعرضها المخرج تتطلـب بلورة للشخصية بينما من اختاره للوقوف أمام الكاميرا لا يستطيع أن يبلور شيئا بعد. بالنسبة إليه سيمتثل إلى ما يطلبه المخرج منه. المخرج يستطيع أن يطلب منه الحركة والتصرف والتعبير عن شيء معين، لكنه لا يستطيع أن يجعله يؤمن بما يقوم به أو يعرف كيفيته.
في السنة الماضية شاهدنا تجربة إيطالية أخرى في هيئة فيلم بعنوان «قيصر يجب أن يموت» للأخوين باولو وفيتوريو تافياني اللذين قصدا سجنا لعتاة المجرمين وطلبا من بضعة مسجونين التمثيل. ما شاهدناه على الشاشة (أي ما سمح المخرجان لنا بمشاهدته بعد حذف ما لم يكن مناسبا) جيد، إنما في إطار ذلك الشكل التسجيلي المحدد، فالمطلوب كان قيام هؤلاء بتقديم مسرحية موجزة من أعمال ويليام شكسبير، وكان مسموحا لهم بالقدر الواضح من الطراوة واللاخبرة. وهذا أفاد الفيلم.
وفي هذا العام هناك فيلم تسجيلي آخر للبنانية اسمها زينة دكاش بعنوان «يوميات شهرزاد» يستند إلى الفكرة ذاتها: مجموعة من السجينات يجري تدريبهن لمسرحية علما بأن أيا منهن لم يسبق لها الوقوف أمام الكاميرا من قبل. الفارق في المعالجة، إذ تحاول المخرجة أن توظف الفرصة المتاحة لها بالكامل فتنفذ أكثر للأسباب التي أودعت كل واحدة من نسائها خلف القضبان.
التمثيل في نهاية المطاف، بصرف النظر عمن يقوم به، هو حاجة الممثل لخلق شخصية موازية ومواكبة ومتجانسة مع الدراما التي يقدمها الفيلم. لو استطاع هاوٍ أو غير محترف تحقيق ذلك فلم لا؟ لكن المسألة هي أن النجاحات في هذا المجال قليلة ومتباعدة تبعا لأن الخبرة مفقودة بدورها.