خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

حوار بين الخليفة وفقيه

مر الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك بالمدينة المنورة في القرن الأول للهجرة أثناء أداء فريضة الحج فأقام مجلسه فيها، فتساءل: «أما هنا أحد يذكرنا؟» فقيل له «أبو حازم»، فاستدعاه وبادره باللوم على تغيبه عن استقباله. قال له يا أبا حازم، ما هذا الجفاء؟ فرد عليه الشيخ قائلا: «يا أمير المؤمنين، أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن. ما عرفتني من قبل ولا أنا رأيتك». فالتفت الخليفة لحاشيته وقال: «أصاب الشيخ وأخطأت أنا».
عاد الخليفة فدخل في حوار طويل، أو بالأحرى في استجواب طريف مع الشيخ المديني. سأله قائلا: «يا أبا حازم، ما لنا نكره الموت؟ أجابه غير هياب، فقال لأنكم خربتم آخرتكم وعمرتم الدنيا فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب. قال صدقت». ثم سأله: «فكيف القدوم على الله عز وجل غدا؟». أجابه قائلا: «أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله. وأما المسيء فكالعبد الآبق يقدم على مولاه».
قال الخليفة: «ليت شعري ما عند الله؟» فأجابه: «اعرض عملك على كتاب الله عز وجل. قال وأين أجده؟ قال إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم. قال يا أبا حازم، فأي عباد الله أفضل؟ قال المروءة والتقى. قال فأي الأعمال أفضل؟ أجابه قائلا: أداء الفرائض مع اجتناب المحارم. قال فأي الدعاء أسمع؟ قال دعوة المحسن للمحسن. قال فأي الصدقة أزكى؟ قال صدقة السائل البائس وجهد من مقل ليس فيها منّ ولا أذى. قال فأي القول أعدل؟ قال قول الحق عند من يخافه أو يرجوه. قال فأي الناس أحمق؟ قال رجل انحط في هوى أخيه وهو ظالم فباع آخرته بدنيا غيره. قال صدقت».