سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

الزعيم والإنسان: عقد الظواهر الكبرى

رافقنا في العمل الصحافي اليومي ظواهر سياسية غير مألوفة بين ستينات وثمانينات القرن الماضي، سواء في الغرب أو في الشرق، كما كان العالم مقسماً، جغرافياً وآيديولوجياً. أي المعسكر الأميركي والمعسكر السوفياتي وبينهما الحرب الباردة مباشرة، وما حولها من حروب حارة بالواسطة.
في الغرب، وصل ممثل سينما عادي يدعى رونالد ريغان إلى رئاسة أميركا. وإلى هذا الممثل العادي ينسب التسبب في تسريع سقوط الاتحاد السوفياتي وحسم الحرب الباردة لصالح واشنطن. وفي الفترة نفسها وصل إلى رئاسة بولندا عامل كهربائي يدعى ليك فاليسا، بعدما كان أشهر عامل يساهم في إسقاط الشيوعية التي قامت على نصر الطبقة العاملة وشعار «يا عمال العالم اتحدوا».
في ذلك العقد، عقد التحولات الكبرى، انتقل كاتب مسرحي منشق يدعى فاتسلاف هافل من السجون والتشرد ليصبح رئيساً (1989) للجمهورية التشيكوسلوفاكية. وفيه وصل فرنسوا ميتيران، كأول اشتراكي إلى قصر الإليزيه. وأصبح جون ميجور المولود في صفيح بريكستون سيّد داوننغ ستريت (1990) في كرسي تشرشل ودزرائيلي وبالمرستون.
كان ذلك عقد العاديين الذين غيروا اتجاهات التاريخ في عالمي الرأسمالية والاشتراكية. وسوف يفوز رونالد ريغان بمعدل ذكاء متوسط ومعدل ثقافي دونه، برئاسة أميركا بأكثرية كاسحة مرتين، ويدخل تاريخها كحامل أكبر عدد من الإنجازات. ولم يستطع فاليسا إقناع البولنديين بالتمديد له مرة أخرى عام 1995، فعلى ماذا يتقاعد عامل كهرباء ومصلح سيارات سابق؟ تحول إلى مُحاضر حول العالم، يتقاضى 70 ألف دولار للمحاضرة. وانهال عليه التكريم من كل مكان، فنال 45 دكتوراه فخرية بينها واحدة من هارفارد، وأخرى من السوربون. وصورت حياته في فيلمين، ومنح نوبل السلام ونحو 30 وساماً، وأطلق اسمه على مدينة غدانسك، وكان أول سياسي ليس برئيس دولة يخطب في جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي. فيما ناضل فاليسا باسم العمال من حوض ميناء غدانسك، ناضل فاتسلاف هافيل من مجتمعه الفني والثقافي. ومثل فاليسا اعتاد دخول السجون والخروج منها. ورغم بساطة التجربة العلمية والسياسية، ترك كل منهما أثراً لا ينسى مع الدول. ومهد فاليسا لنهضة اقتصادية واسعة. وأشرف كلاهما على مرحلة انتقالية فائقة الهدوء من النظام الشيوعي إلى النظام الرأسمالي. وكان هافل آخر رئيس لتشيكوسلوفاكيا، وأول رئيس لتشيكيا بعد انفصالهما. وعرف ذلك بالانفصال المخملي لأنه تم بكل رقي وهدوء ومن دون الحاجة إلى مخفر شرطة واحد. والمرة الوحيدة التي شاهدت فيها هذا التاريخي الفريد، كانت أمام هارودس في لندن يشبك ذراعه بذراع زوجته الثانية. كانت تشع جمالاً، ويشع إنساناً.
إلى اللقاء..