مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

قاتلهم الله... ورانا ورانا

زرت لندن قبل سنوات عدّة، وحظيت برفقة صديق – أكل الدهر عليه وشرب - وهو شبه مقيم دائم في تلك المدينة.
ومجاملة مني لذلك الصديق المغرم بالمتاحف، انصعت إلى أمره عندما سحبني من أذني وراءه؛ لهذا وضع جدولاً لا يخر منه الماء وعليّ أن أتقيّد به، والمشكلة أنني إنسان شبه «بوهيمي» أتوق إلى الانعتاق والانشراح والفلّة بين الحين والآخر، لكن هيهات.
ورغم أنني أحب زيارة المتاحف، لكن ليس لدرجة أننا نقضي تقريباً في كل متحف يوماً كاملاً، فزرنا على سبيل المثال: متحف العلوم، والمتحف البريطاني الذي تأسس عام 1753، ومتحف التاريخ الطبيعي، ومتحف الشمع، وأروع المتاحف التي سعدت بها هو المتحف الوطني، وتمتعت خلالها بمشاهدة أعمال الكثير من الفنانين.
وعندما انتبه أني بدأت أتذمر أو أتململ من قبضته الحديّدية، قال لي وكأنه يبشرني: أريد أن آخذك إلى مكان مذهل، فرحت واعتقدت أنه سوف يذهب بي إلى مكان استعراض أو سهر، وإذا به يذهب بي إلى متحف يقال له: الأرشيف الوطني للأصوات.
وفيه كل ما يخطر وما لا يخطر على بالك من الأصوات الطبيعية والحيوانية والإنسانية، سمعت خلالها أصوات العواصف والصواعق، ونقيق الضفادع، والنشيد القتالي لقبائل الزولو الأفريقية، وموسيقى بتهوفن وغناء البيتلز وكلمات آرمسترونغ على سطح القمر، وخطاب الملك إدوارد الثامن عند تنازله عن العرش، ومقابلة للملك فيصل في عام 1945، وخطاب لعبد الناصر عام 1956 يقول فيه عن رئيس وزراء بريطانيا إيدن: إنه رجل «خرع».
المهم ما لكم بكثرة الحكي؛ فكل ما تريدون أن تسمعوه تجدونه – حتى لو أردتم سماع «الدحيّة» السعودية تجدونها.
وعندما لاحظت إحدى العاملات ذهولي، فتحت التسجيل على أحد الأصوات تسألني: ما هو؟!، فلم أتردد قائلاً: إنه صوت زورق بخاري، فضحكت من جهلي قائلة: إنه صوت أنثى سمكه تنادي ذكرها، فقلت بيني وبين نفسي: حتى الأسماك التي تتعاشق لم تتركوهم بحالهم!
وبعيداً عن تلك الزيارة، وبمناسبة الأصوات، فقد طورت شركة كندية أصواتأً صناعية مطابقة للحقيقية، إلى درجة أنهم استنسخوا بخبث صوت المذيع الأميركي الشهير «فنيس»، إلى الحد أن والدته لم تستطع أن تكتشف أنها كانت تحادث كومبيوتراً وليس ابنها على الهاتف.
فماذا ستفعل يا عزيزي القارئ لو أنهم «فبركوا» صورتك، واستنسخوا صوتك ولهجـتك، ووضعوك أنت مع إحدى الغانيات في مكان مشبوه، ونشروها في مواقع التواصل الاجتماعي، فيكف تقنع أهلك ببراءتك، وهم يشاهدونك أمام أعينهم (بالصوت والصورة)؟!، ساعتها فين تودّي وجهك فين؟!
قاتلهم الله، ورانا ورانا؟!