شريا أوفيد
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

«إنستغرام» ودروس إساءة استخدام الإنترنت

أعلن تطبيق «إنستغرام» الذي يُعد أحد تطبيقات «فيسبوك»، الأربعاء، عن إطلاق تطبيق جديد يحمل اسماً مختصراً «آي جي تي في» يستطيع المستخدم من خلاله نشر المقاطع المصوَّرة التي يزيد زمنها على دقيقة، وهو ما أتوقع أن يحقق نجاحاً كبيراً، فقد أصبح «إنستغرام»، وبسرعة كبيرة، مقصداً للشبان والشابات، وبات في الطريق لأَنْ يصبح ثاني أكبر بوابات إعلانات «فيسبوك»، التي تجلب الكثير من المال. وقدّر الخبراء في مؤسسة «كيبانك كابيتال ماركتس» بأن ترتفع عائدات «إنستغرام» إلى 22 مليار دولار بحلول عام 2020، أو نحو ربع إجمالي عائدات إعلانات «فيسبوك» لذلك العام. غير أن شركة «فيسبوك» لم تعطِ الكثير من التفاصيل عن كيفية حماية منصتها الجديدة التي ستبث مقاطع مصورة من إساءة الاستخدام التي كثيراً ما شاهدناها في «يوتيوب» وفي «فيسبوك» نفسه.
يهدف تطبيق «آي جي تي في» لأن يُصبِحَ منصة للمقاطع المصورة التي يصنعها نجوم الفيديو بأنفسهم، الذين كانوا بمثابة الورقة الرابحة لشركة «ألفا بيت»، التي تُعد الشركة القابضة لشركة «غوغل».
وعلى المنوال ذاته، اجتذبت مواقع «فيسبوك» و«سنابشات»، و«إنستغرام»، و«أمازون» و«أنكس تويتش» كثيراً من الفنانين عبر الإنترنت، مثل ليلي لونز ونينجا، غير أن «يوتيوب» يُعدّ المنصة الأهم لهذا الجيل الصاعد، خصوصاً صغار السن من مبدعي الفيديو عبر الإنترنت، الذين يعيدون صياغة فن الترفيه من جديد.
وقد حاول «فيسبوك» لفترة طويلة إقناع مشاهير الإنترنت بالانتباه أكثر لمنصته وشبكته الاجتماعية. وربما أن «فيسبوك» قد عثر في النهاية على معادلة النجاح من خلال «إنستغرام» الذي يبدو أكثر ملاءمة لأن يصبح تلفازاً جديداً أكثر منه خدمة «فيسبوك واتش»، التي صُمِّمت هي الأخرى لتكون قريبَة الشَّبَه بالتلفاز.
من غير الملائم أن يكون لديك الآن المنصتان تحت سقف مؤسسة واحدة. لكن شيئاً ما كان مفقوداً في تطبيق «إنستغرام»؛ فقد كانت مفاجأة أن تعلن الشركة عام 2018 عن منتج تكنولوجي يسمح لأي شخص بمختلف دول العالم بتصوير مقطع مصوَّر، والوصول إلى جمهور يُقدر عدده بنحو المليار من دون دراسة مسبقة عن كيفية مواجهة خطاب الحض على الكراهية، ونظريات المؤامرة والعنف، وإساءة معاملة الأطفال، وغيرها من المقاطع المرعبة التي أجبرت «يوتيوب» على قلب طريقة إدارة عمله رأساً على عقب؛ فتطبيق «إنستغرام» لم يتجاهل كليّاً إمكانية وصول مقاطع غير ملائمة إلى تطبيق «آي جي تي في». وردّاً على أسئلة أثارها صحافيون الأربعاء الماضي، أشار رئيس مجلس إدارة «إنستغرام»، كيفن سيستروم، إلى أن «إنستغرام» يتمتع بخبرة في اختيار وتهذيب الصور والمقاطع المصورة التي يتلقاها من جماهيره العريضة. هذا صحيح، فـ«إنستغرام» يحذف المقاطع التي ينشرها مستخدموه، والتي تخالف قواعد الشركة، لكن طبيعة «إنستغرام» جعلته أقل حساسية للانتشار الفيروسي للأخبار الكاذبة و«البروباغندا»، وغيرها من المقاطع المصورة غير الملائمة والصور التي نراها تحل كالوباء في «يوتيوب» و«فيسبوك».
«إنستغرام» ليس محصنّاً بالكامل من المحتوى غير الملائم، وباتت مهمة المحافظة على الاعتدال أصعب مع «آي جي تي في»؛ فهو يسمح ببث المقاطع المصورة إلى مُدَّة تصل إلى ساعة كاملة، مقارنة بدقيقة واحدة فقط عبر «إنستغرام»، وهو ما يعني المزيد من مقاطع الفيديو.
تتمتع «غوغل» بأفضل تكنولوجيا في العالم، وتقوم بإدارة خدمة فيديو ضخمة لأكثر من عقد كامل، ورغم ذلك لم تكن مستعدة لمواجهة الأساليب الإبداعية التي اتبعها مستخدموها لإساءة استخدام منصة «يوتيوب».
كذلك أعطى «إنستغرام»، «آي جي تي في» بعض الخصائص المفيدة، لكنه تتسبب في بعض المشكلات؛ فسوف يبدأ «آي جي تي في» في عرض المقاطع المصورة تلقائياً بمجرد أن يفتح المستخدم التطبيق من دون الحاجة إلى اختيار مقطع معين، وبعدها سيقوم التطبيق بإعداد قائمة شخصية لتقديم المزيد من المقاطع المصورة التي يتوقع نظام الكومبيوتر في «إنستغرام» أن تلائم ذوق المشاهد.
مرة أخرى، فإن اختيار المقاطع المصوَّرة في المتناول، لكنه يفتح الباب لمشكلة واجهها «فيسبوك» من قبل؛ فمقطع واحد غير ملائم قد يضع الناس في مشكلة كبيرة. قد يكون «إنستغرام» مهيَّأً لحماية «آي جي تي في» من أسوأ عمليات سوء الاستخدام. لكنَّ الشركة قررت ألا تعطي تفاصيل عن خططها الدفاعية وألا تواجه المشكلة إلى أن بدأ الصحافيون في إثارة الأسئلة بهذا الشأن. لكن ما حدث يُعدّ خطأً من شركة تكنولوجيا، في عصر يسوده الشك في كل شيء يُثار عبر الإنترنت. فحتى المنتج التكنولوجي غير المعرَّض لإساءة الاستخدام والاختراق يجب أن تجري المصارحة بشأنه.
يتمتع تطبيق «آي جي تي في» الجديد بكل مواصفات النجاح، ويتعين على «يوتيوب» و«سناب شات»، وشركات البث التلفزيوني التقليدية أن ترى «إنستغرام» منافساً قويّاً على اقتناص ساعات الفراغ لدى المشاهدين، وعلى دولارات المعلنين... لكن الحكم على شركات التكنولوجيا حالياً لا يتم على أساس الدولارات وأعداد المستخدمين، ويجب ألا تجري الأمور كذلك.
ففي كلمته أمام مجلس الشيوخ الأميركي في أبريل (نيسان) الماضي، قال رئيس مجلس إدارة «فيسبوك»، مارك زوكربيرغ: «مسؤوليتنا لا تنحصر في بناء المنصات فحسب، بل في ضمان حسن استخدامها أيضاً».
ولذلك، فإن ضمان حسن استخدام التكنولوجيا لمنفعة البشر يتطلب استعداد الشركات وتواصلها مع الناس مقدماً لتوضيح كيفية منع منصاتهم من إساءة الاستخدام، وكيفية تحقيق التوازن بين حرية التعبير وحماية المجتمع، وهي المهمة التي فشل فيها «إنستغرام».

- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»