ليونيد بيرشيدسكي
TT

جائزة نوبل للسلام لترمب وكيم ليست مزحة

رشحت مؤسسة «كورال» الكبرى للنشر الرئيس الأميركي دونالد ترمب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون على قمة المرشحين للفوز بجائزة نوبل للسلام للعام الحالي. وسبق الرئيسان في الترتيب المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين، والبابا فرانسيس وغيرهما من المرشحين. وفي حال سارت جلسة المباحثات بين كيم ونظيره الكوري الجنوبي مون جاي إن وحل السلام في شبه الجزيرة الكورية مجدداً، فسيثبت الزعيمان أنهما بالفعل يستحقان الجائزة. وفي ذلك درس يمكن تعلمه لأن تلك الخطوة تتعدى حدود «التطبيع» بين الدولتين، وهي العبارة التي طالما تلقينا تحذيرات من استخدامها مع
الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون والرئيس الأميركي ترمب. فأحيانا يمكن، بل يجب، الاحتفاء بالأشخاص السيئين وبمن نبغضهم حال قاموا بأعمال من شأنها أن تجعل العام أكثر أماناً لأن من شأن ذلك أن يشكل أفعالهم القادمة.
لو أننا أخذنا رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل كمثال، ونظرنا إلى الفيلم السينمائي الذي أنتج عام 2017 بعنوان «الساعة السوداء» الذي صور القائد العسكري البريطاني بوصفه عبقرياً شديد الحساسية يحارب نخبة ضعيفة بغرض وضع حد لمهادنة النازيين، فقد كتب شاشي ثارور، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الهندي، كلمة نارية نشرت في صحيفة «واشنطن بوست» قال فيها، «كان (تشرشل) أحد سفاحي القرن العشرين. وعلى العكس من شخصيات مثل هتلر وستالين، فقد أفلت من خزي تاريخي في الغرب». فقد قام تشرشل بالتخطيط لأسلوب الأرض المحروقة ضد المتمردين في المستعمرات البريطانية، من ذلك التخطيط لمجاعة البنغال عام 1943، وإلقاء القنابل الحارقة على مدينة دريسدن الألمانية عام 1945. ولقي وقوف تشرشل في وجه النازيين تقديراً كبيراً، واعتبر ذلك أكبر انجازاته. ولم يكن ذلك سبباً في ميل كفة الميزان لصالحة ومنعها من أن تميل في صالح جانبه الأسود، لكن ذلك جعل صفحته تبدو بيضاء تماماً.
وعلى نحو مشابه، يمكن للمرء أن يجادل بأن شيئاً لم يحدث منذ بداية الألفية الجديدة يعادل في أهميته اتفاق السلام الكوري المرتقب. وربما أن الصراع الذي تسبب في تقسيم كوريا هو أكثر ما شغل العالم واستمر حتى القرن الواحد والعشرين. فقد بدأ الصراع عام 1948 وتطور إلى حرب بالوكالة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة ثم سحب الصين إلى أن وصل إلى الصورة الأكثر تعقيداً التي نراها الآن. وتسبب الصراع في إيجاد أحد أكثر شعوب العام انقساماً، يحكمهما نظامان في غاية التباين يتمثل في حكومة تكنوقراط في الجنوب، ودولة آيديولوجية في الشمال يحكمها فرد. ويمثل الصراع الكوري التبعات الباقية لنهج الولايات المتحدة الأميركية القديم للحرب وقصفها الكاسح الذي نجحت اليابان وألمانيا في أن تغفره للولايات المتحدة، فيما أصر النظام الكوري الشمالي طيلة تلك السنين معاداة الولايات المتحدة الأميركية.
ربما أن التغطية اللاهثة للمحادثات بين كيم جونغ أون ومون جاي إن ولابتساماتهما ومصافحاتهما جاءت قبل الأوان. وربما أن كلمات كيم عن بداية «عهد جديد» و«عهد السلام» ليست سوى كلمات الغرض منها جعل الغرب يخفف من حدة عقوباته على كوريا الشمالية مقابل بعض وعود فارغة.
فقد ثبت تورط قراصنة الإنترنت الكوريين الشماليين في عملية قرصنة الغرض منها سرقة بيانات خاصة بالبنية التحتية في الغرب، ولا يزال كيم هو نفس القائد الذي استخدم التعذيب وسخرة العمال وشن حملات الدعاية الشعواء واتبع الأساليب الاشتراكية لإخضاع خصومه ودفعهم للاستسلام، بالضبط كما اعتاد أبوه وجده أن يفعلا. وليس هناك سبب يجعله يتوقف فجأة عما يفعله ويتصرف كما تعلم في المدرسة السويسرية الخاصة التي كان تلميذاً فيها يوماً ما. فمن الصعب تخيله من دون سلطة. كذلك لا يزال ترمب هو نفسه ترمب، فقد وصف الرجل بأنه «صبي الصواريخ الصغير» وسرعان ما تراجع ليستخدم كلمات أقل حدة، كل ذلك من دون أن يبدي أي فهم للقضية الكورية المعقدة، ولذلك فيمكن للرئيس الأميركي أن يعود بسهولة للهجته القديمة بمجرد أن تتعقد النقاشات.
لكن رغم ذلك لا تلتفتوا كثيراً لعبوسي من «تطبيع» العلاقات بين ترمب وكيم، ومن رؤيتي لهذا السلام الهش. فقد يكون ذلك هو الإنجاز الأكبر لهما لأن من يفعل ذلك لا بد أن يكون بطلاً بصرف النظر عن أي شيء آخر قد نراه حقيقياً.

- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»