نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

هل يلعب عباس ورقته الأخيرة؟

يدور جدل واسع في معسكر عباس، حول جدوى الإجراءات التي اتخذها لإجبار حركة حماس على العودة ثانية إلى بيت الشرعية، بما يتطلبه ذلك من إنهاء حكمها لغزة، أو إيجاد صيغة تكون فيها حماس شريكاً لا متحكماً.
كلما أظهرت حماس استخفافاً بالإجراءات العقابية، وأعلنت أنها تمكنت من توفير مصادر بديلة تخفف من الضغط عليها، يزداد الجدل وتظهر مطالبات بإجراءات أكثر فاعلية، ليس على صعيد العقاب المالي المعتمد حتى الآن، وإنما على الصعيد السياسي.
هنا، ظهرت فكرة معالجة العناد الحمساوي بإجراء جراحي أخير، هو حتمية دعوة المجلس الوطني للانعقاد بمن حضر، وفي حال الانعقاد بصورة قانونية، فالمجلس يكون مؤهلاً لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة ومجلس مركزي جديد، وقد يتخذ قراراً بنقل ملف المصالحة من الحوار الثنائي المتساهل البطيء عديم الجدوى، الذي رمزه في الإعلام عزام الأحمد وموسى أبو مرزوق، إلى مؤسساته.
لو تمت دعوة المجلس الوطني إلى الانعقاد بالصيغة التي تم تسريبها، والتي لم تعلن رسمياً حتى الآن، وفُهم أن الغرض من عقد المجلس هو مجرد تطويق حماس، وتصعيد الإجراءات ضد حكمها في غزة، فلا بد أن تنهض مجموعة من الفصائل وامتداداتها، وحركة حماس بالتأكيد، للاعتراض على هذا الإجراء، والتباري في وصف خطورته على القضية الفلسطينية، ومنظمة التحرير بالذات.
إمكانية عقد المجلس الوطني بنصاب قانوني تبدو متاحة بحكم طغيان ممثلي فتح وحلفائها، واستحواذها على أغلبية مريحة لا تعقد المجلس فحسب، بل تحسم مخرجاته جميعاً. ولقد حدث أمر كهذا في مجلس عمان، الذي قاطعته رسمياً معظم الفصائل، وعدد لا بأس به من المستقلين، إلا أنه عقد، وكان الذي أعلن اكتمال النصاب القانوني هو المغفور له الملك حسين، الذي سجل لنفسه وللأردن مأثرة إنقاذ منظمة التحرير، واستعادة دورها وشرعيتها في تمثيل الفلسطينيين وقيادتهم.
ولعل الذي فرض اللجوء إلى هذه الورقة، بعد أكثر من ثلث قرن على مجلس عمان، هو وصول جميع محاولات ترتيب البيت الفلسطيني إلى حوائط مسدودة، فبعد سلسلة من اللقاءات تحت عنوان إنهاء الانقسام، ولو بتقاسم النفوذ، ومحاولات أخرى لتوحيد الصف الفلسطيني على هيئة آخر اجتماع حضره الجميع في بيروت قبل ستة أشهر من الآن، كل ذلك أفضى إلى نتيجة واحدة لا جدال عليها، وهي تحقيق العكس من المطلوب تماماً، وإبلاغ العالم بأن الوضع الفلسطيني يعيش شللاً لا مخرج منه.
هذه الخلاصة وضعت الرئيس عباس أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما استخدام الورقة الأخيرة، وإما إبقاء الحال على ما هو عليه. ولكلٍ من الخيارين مزايا ومحاذير، غير أن مزايا الاحتكام للمجلس الوطني، إذا ما أحسنت إدارته، تظل أكبر بكثير من الميزة الواحدة المشكوك فيها لبقاء الوضع على حاله، وهي ميزة بائسة تتلخص في وهم الحفاظ على أمل صحوة مفاجئة، تعيد الأمور إلى سابق عهدها، أي قبل الانقسام. وهذه الصحوة المفترضة تبددت إمكانياتها الفعلية بعد ساعة من النصر الذي تحقق في المسجد الأقصى، والذي لم يؤثر في سياسات وأجندات سدنة الانقسام قيد أنملة.
قد يكون سهلاً عقد مجلس وطني بنصاب قانوني، غير أن التحدي سيكون في الإجابة عن سؤال كبير: هل ينجح المجلس في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرصدة الفلسطينية المتناقصة على الصعيدين الداخلي والسياسي، أم أنه سيحمل رقماً وينحصر في مهمة واحدة، هي التجديد الشكلي لشرعية ما هو قائم ليس إلا؟