جمال الدين طالب
كاتب وصحافي في صحيفة «الشرق الأوسط»
TT

ثروات «الواحد في المائة»!

جدد التصنيف السنوي لصحيفة «صنداي تايمز» اللندنية لأثرياء بريطانيا الجدل حول عدم المساواة في توزيع الثروة، حيث «أدهشت» أرقام هذا العام (2014) معد التقرير فيليب بيريسفورد نفسه، إذ أظهرت أن الألف الأكثر ثراء في المملكة المتحدة بلغوا حدا من الثراء لم يبلغوه من قبل وأن مجموع ثرواتهم بلغ 519 مليار جنيه إسترليني (872 مليار دولار) أي ما يعادل ثلث الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، والتي تعتبر سادس أكبر اقتصاد في العالم بناتج إجمالي يصل إلى 2.4 تريليون دولار.
وأظهرت الأرقام أن مجموع ثروات الألف رجل وامرأة الأكثر ثراء قفزت هذا العام بنسبة 4.‏15 في المائة مقارنة بإجمالي ثرواتهم في العام الماضي الذي بلغ 449 مليار إسترليني (754 مليار دولار).
وتظهر أرقام التقرير أن مجموع ثروات الألف الأكثر ثراء تقريبا تضاعفت مع الأزمة المالية في 2009، حيث كان مجموع ثرواتهم يصل إلى 258 مليار إسترليني (433 مليار دولار).
وأكد فيليب بيريسفورد الذي يعد القائمة منذ عام 1989 لصحيفة «صنداي تايمز»: «لم أر قط ارتفاعا استثنائيا في الثروة الشخصية مثل نمو ثروات الألف الأكثر ثراء في بريطانيا في العام الماضي».
وأضاف بيريسفورد أن «الأكثر ثراء كان لهم عام مذهل، وفيما سينتقدهم البعض فإن كثيرين من هؤلاء هم في قلب الاقتصاد ونجاحهم سيجلب المزيد من الوظائف والثروة للبلد».
وأصبحت قائمة «صنداي تايمز» لأثرياء بريطانيا تعتمد ثروة أدنى بقيمة 85 مليون إسترليني (142 مليون دولار) بدلا من 80 مليون إسترليني (134 مليون دولار) التي كانت تعتمدها في ذروة الأزمة المالية في 2008. ولكي تدرج في قائمة الـ500 الأكثر ثراء تحتاج إلى 190 مليون إسترليني (319 مليون دولار) أي ضعف ما كان معتمدا في 2004 أي 80 مليون إسترليني (134 مليون دولار).
واللافت أن الغالبية العظمى من الأثرياء جمعوا ثروتهم بجهدهم الخاص وليس عن طريق الوراثة.
وبحسب معد القائمة فإن مجموع ثروة الـ64 الأكثر ثراء لهذا العام (2014) تبلغ وحدها 255 مليار إسترليني (428 مليار دولار) أي ما يعادل مجموع ثروة 30 في المائة من الفقراء، الذي يشكلون 30 في المائة من السكان!
وإذا كانت هذه الأرقام المثيرة للجدل تدهش حتى معد القائمة فما بالك بالمواطن العادي في بريطانيا الذي يلحظ عمليا تراجعا في مداخيله بحساب التضخم، و«جمودا» في الرواتب رغم ما يسمعه يوميا من تعافي الاقتصاد من الأزمة المالية العالمية.
واللافت أن هذا الجدل المحتدم حول هذه النسبة من الأثرياء التي توصف بالواحد في المائة تزداد غنى والـ90 في المائة من الشعب تزداد فقرا، ليس حكرا على بريطانيا فقط إنما في أنحاء عدة من العالم، وإن كانت تأخذ بعدا جليا في الاقتصادات الغربية المتقدمة. ولعل النجاح الذي لاقاه كتاب «رأس المال في القرن الحادي والعشرين» للباحث الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي، يعبر عن ذلك، حيث يحتل كتاب المؤلف، الذي وصف بـ«ماركس القرن الواحد والعشرين»، قائمة الكتب الأكثر مبيعا في الغرب، وفيه يبحث بيكيتي بالأرقام هذا الموضوع بمعطيات تغطي 300 سنة في 20 دولة متقدمة، ويحذر فيه الباحث من مخاطر سياسية واقتصادية، وأنه إذا استمر نفس إيقاع نمو ثروات الأكثر ثراء في العالم والذين يوصفون بـ«الواحد في المائة» فإنهم خلال الـ50 سنة المقبلة سيسيطرون ليس على 90 في المائة فقط من ثروات العالم، إنما على 100 في المائة! ويثير هذا الطرح جدلا كبيرا مثلما تثيره دعوة الباحث إلى فرض ضريبة عالمية على الأثرياء.
[email protected]