خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

نتنغ أم نتن؟

السياسي البريطاني أنطوني نتنغ من أصدقاء العرب الذين تمسكوا بمحبتهم هذه. كنت أراه في مبنى مؤسسة كابو فأحييه فكان يرد علي بالتحية مع شيء من القلق والحيرة. فقد لقي من العراقيين في عهد عبد الكريم قاسم الكثير من العنت والإساءة. كان من محبته للعرب أن حاول في عهد ناصر وقاسم أن يصلح ما أفسدته الحرب الباردة بين الزعيمين، وبين بغداد والقاهرة. كان العراق يلف في محور السوفيات ومصر في ملف العالم الغربي. ما أن وطأت قدماه أرض العراق حتى انطلق فاضل المهداوي في محكمة الشعب، أو سركس المهداوي كما وصفه أحمد سعيد في إذاعة صوت العرب، في السخرية منه باللعب الهجائي على اسمه؛ بدلاً من نتنغ راح يسميه «نتن»، وفي سياق آخر نثنغ. وهكذا أخذ ينظر للعراقيين في تلك الأيام بشيء من التساؤل والشكوك.
ظل أنطوني نتنغ ملتزماً بصورة خاصة بصداقته مع جمال عبد الناصر ومصر. وكان لموقفه هذا جذوره في أيام العدوان الثلاثي. كان وزيراً في حكومة أنطوني إيدن وعارض الهجوم على مصر وقدم استقالته من الحكومة. كان السياسي البريطاني الذي مثل بريطانيا في التفاوض مع مصر ثم توقيع المعاهدة التي أسفرت عن انسحاب الإنجليز من مصر. ويظهر أن عبد الناصر قد ترك انطباعاً قوياً فيه جعله يكتب كتاباً عن الزعيم المصري. والكتاب حاشد بالطرائف. وجد أن الحبر قد جف في قلمه عند توقيعه على المعاهدة. فقدم له عبد الناصر قلمه ليستعمله في التوقيع. فعل ذلك ولكنه نسي ووضع قلم الزعيم المصري في جيبه بدلاً من إعادته لصاحبه. قال له عبد الناصر: أرجوك أعد لي القلم. أنتم أيها الإنجليز أخذتم الكثير منا. يعني عاوز تاخد قلمي أيضاً؟!
وكانت مناسبة طريفة عبرت عن طرافة مصر.
بيد أن دوره في ذلك، فتح له الباب للدخول في علاقة طويلة ووطيدة مع العالم العربي. وربما أدى ذلك إلى أفوله من مسرح السياسة البريطانية تجاه العالم العربي. فلم يرجع أنطوني نتنغ للحكم. يظهر وكأن العالم العربي قد حرق ورقته. وكان في ذلك واحداً من كثير من الساسة البريطانيين والغربيين الذين تعاطفوا مع العرب وحرقوا أوراقهم. كان منهم بيتر مانسفيلد الذي استقال هو الآخر من حكومة أنطوني إيدن بسبب العدوان الثلاثي. كريستوفر ميهيو ضحية أخرى لتعلقه بالعالم العربي وقضية فلسطين. ديفيد ميلر ضحية أخرى اختفت من عالم السياسة كلياً بسبب تحديه لسياسة إسرائيل. الصحافي الكبير مايكل آدمز، مؤسس منظمة كابو، اختفى من عالم الصحافة والسياسة البريطانية لدوره في مناصرة القضية الفلسطينية. منهم كذلك ديفيد آتكنز. كثيرون مدوا يدهم للقضايا العربية واحترقت يدهم. كلما سمعت عن سياسي غربي يناصر الجانب العربي مسكت أنفاسي وقلت هذا واحد آخر سيحترق.