كليف كروك
TT

فوضى {البريكست} تنبئ بكارثة

رغم انطلاق محادثات «البريكست»، لا توجد مؤشرات تذكر على وجود استراتيجية واضحة المعالم للمملكة المتحدة - وإنما الأمر كله يبدو في حالة فوضى.
ويجعل ذلك من نتيجتين سيئتين محتملتين أكثر احتمالاً - أولاهما: أن تخرج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي عام 2019 دونما التوصل لاتفاق. ومن شأن ذلك إثارة حالة من الفوضى الاقتصادية العارمة، والتسبب في أضرار يستغرق إصلاحها سنوات.
أما النتيجة الأخرى السيئة المحتملة فتتمثل في أنه إذا استمرت الحكومة في سباتها الحالي بينما يقترب الموعد النهائي المحدد بعد عامين، فإن هذا سيدفع الرأي العام نحو التأرجح. وربما تنطلق الدعوة لإجراء استفتاء عام ثانٍ ربما يقلب قرار العام الماضي بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي إلى العكس. من جانبي، اعتدت النظر إلى هذا السيناريو الثاني باعتباره غير محتمل للغاية. أما اليوم، فأعتقد أنه غير محتمل فقط، في وقت يزداد التأييد له.
وربما يتساءل البعض ما الشيء السيئ وراء إعادة النظر في قرار الانفصال عن الاتحاد الأوروبي؟
بداية، لا ينبغي لنا افتراض أن الاستفتاء الثاني سيعطي نتيجة مغايرة. من جانبهم، يفترض مؤيدو الاستمرار داخل الاتحاد الأوروبي أنه حال إجراء استفتاء ثانٍ، سينتصر صوت العقل هذه المرة. ورغم أن هامش فوز الأصوات الداعية للانفصال كان ضيقاً، فإنه يتعين علينا تذكر أن معسكر الانفصال فاز رغم نصائح الحكومة بالتحرك في الاتجاه المعاكس، وكذلك من خبراء اقتصاديين من مختلف الأطياف، ومن النخبة الفكرية بوجه عام. في الواقع، ثمة سبب وراء أن بريطانيا دوماً بدت عنصرا مختلفا داخل الاتحاد الأوروبي: القلق العام المكتوم إزاء مكانة المملكة المتحدة داخل أوروبا أكثر اندماجاً.
أيضاً، لا ينبغي أن نتعامل مع فكرة أنه سيسمح لبريطانيا بتغيير مسارها باعتبارها مؤكدة، خاصة أن ثمة خلافا حول مدى قانونية إلغاء الأخطار المرتبطة بالمادة 50. وقبل السماح لبريطانيا بالعودة إلى الاتحاد الأوروبي، فإنها ربما تطالب بتكبد ثمن مقابل تهورها. (وربما يثير ذلك مطالبات بإجراء استفتاء ثالث). وربما تسفر جهود إجراء استفتاء ثانٍ لقلب نتيجة قرار العام الماضي إلى العكس، عن نفاد الوقت أمام المملكة المتحدة، ما يجعل النتيجة الأولى السيئة - الخروج من الاتحاد الأوروبي دونما اتفاق - أكثر احتمالاً.
وهنا يظهر التساؤل: ألا تستحق هذه المخاطرة فرصة لإصلاح خطأ تاريخي - وإذا كان الحال كذلك، فما هو؟ أشك في ذلك. دعنا نفترض أنه أطلقت الدعوة لاستفتاء ثانٍ وجاءت النتيجة لصالح البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، ولنفترض أن الاتحاد الأوروبي أبدى سعادته بالأمر. في هذا السيناريو، فإن العمل على التحرك عكس الاتجاه الحالي سيؤجج المخاوف تجاه اليورو إلى مستويات قياسية، ويتسبب في انقسام المملكة المتحدة على نفسها على نحو أكثر حدة.
من جانبه، كتب غيدون راتشمان في «الفاينانشال تايمز» أن ذلك سيكون بمثابة مذلة وطنية - وهذا حقيقي، بل وستتجاوز هذه المذلة ما حدث في أزمة قناة السويس عام 1956 - وستكون تلك نكسة خطيرة تخلف تداعيات سياسية واسعة النطاق.
أما ما أختلف مع راتشمان حوله، فهو إذا كان فهمي لمقاله صحيحاً، فإنه يوصي بتلك المذلة باعتبارها المسار الوطني الأمثل. في الواقع، تبدو جميع الخيارات القائمة حالياً أمام بريطانيا مهينة، حسبما يرى، وعليه فإن مسألة الإهانة والمذلة الوطنية ليست سببا كافياً لرفض أي الخيارات القائمة. على الجانب الإيجابي، يرى راتشمان أن الإهانة ربما تكون جيدة (مثلما حدث مع ألمانيا عام 1945).
بصورة عامة، أعتقد أن المذلات الوطنية من الأفضل إبقاؤها عند الحد الأدنى. وفي هذه الحالة تحديداً، ثمة بديل ممكن ومتبادل ولا ينطوي على أي إهانة، متاح بالفعل.
من أجل تجنب الخروج من الاتحاد الأوروبي دونما اتفاق عام 2019. يتعين على بريطانيا والاتحاد الأوروبي إقرار اتفاق مؤقت، بحيث تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، دونما تحديد اتجاهها المستقبلي، لكن مع احتفاظها بصورة أساسية بجميع الحقوق والواجبات المرتبطة بعضوية الاتحاد لحين التوصل لاتفاق دائم. وبذلك يمكن أن تستغرق عملية الوصول لهذا الاتفاق أي وقت تحتاجه، دونما التعرض لضغوط حمقاء ترتبط بموعد نهائي. أما الترتيب الأطول أمداً بين الجانبين فيكون في صورة اتفاق ليبرالي يعزز التجارة يليق بصديقين وحليفين، مع الإقرار برغبة بريطانيا في البقاء كدولة ذات سيادة.
ومن المهم للغاية إدراك أن هذا الأمر من الممكن تحقيقه - وهي نقطة لا تلقى اهتماماً يذكر للأسف. إننا هنا لا نطالب بالمستحيل ولا نفرض أي مطالب قد يجد الاتحاد الأوروبي نفسه مدفوعاً نحو رفضها. إلا أن هذه النتيجة الإيجابية لا يمكن أن تأتي مصادفة، وإنما يتعين على الطرفين السعي وراءها بدأب من خلال المفاوضات - وهنا تكمن المشكلة الحقيقية.
في الواقع، ثمة مؤشرات ضئيلة للغاية توحي بوجود عزيمة حقيقية أو بعد نظر على أي من الجانبين البريطاني أو الأوروبي. وبالنسبة لبريطانيا، فإنها تعاني حالة من الشلل جراء الانقسامات السياسية. في المقابل، فإن غالبية حكومات الاتحاد الأوروبي تكتفي بالوقوف إلى جانب بعضها البعض وتبدو سعيدة بمشاهدة بريطانيا تغلي. ومع أنها تواجه مخاطر أقل عن بريطانيا على هذا الصعيد - فإن ذلك ليس مبرراً كافياً أبداً لترك الأمور تخرج عن نطاق السيطرة لينقلب القطار بالجميع نهاية الأمر.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»