زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

نحن الذين «خرمنا» الهرم

أعتقد أن الأبواب السرية التي كُشفت داخل هرم الملك خوفو تُعتبر السر الوحيد الذي أباحه هرم خوفو، حيث إن أغلب ما كُتب عن الهرم من قبل عبارة عن تخيلات بوجود حجرات سرية داخل الهرم، وهناك فريق ياباني قام باستعمال أجهزة حديثة للكشف عن أسرار الهرم، وأعلنوا عن وجود حجرات داخل الهرم، وقام أيضاً فريق فرنسي بالعمل داخل الممر الذي يصل إلى حجرة الدفن الثانية التي تعرف باسم حجرة الملكة، وقاموا بعمل ثقوب في الجدار الغربي وعثروا على بقايا رمال، وأعلنوا أمام العالم كله عن وجود حجرات خلف جدران الممر المؤدي إلى حجرة الملكة، وبعد ذلك أشاروا إلى وجود حجرة أخرى أسفل أرضية حجرة الملكة، ومن الغريب أنهم تاجروا بهذا الكشف في كل مكان ونشروا صوراً لهم في مجلة فرنسية وهم يقفون على أحجار الهرم وفوقهم عنوان «إحنا إللي خرمنا الهرم»، بل قاموا بعمل «تي – شيرت» يحمل صورة الهرم وبدأوا في بيعه في كل مكان وجمع أموال طائلة... ومن الغريب أن هؤلاء الأشخاص سُمح لهم بالعمل داخل هرم الملك خوفو وهم من حواري باريس، كما نقول بالعامية المصرية؛ ولم يكن لهم صلة بأي مؤسسة علمية... وبعد ذلك وأثناء انعقاد مؤتمر المصريات جاء فرنسي آخر متخصص في تاريخ مصر القديمة ولم يعمل في الأهرامات من قبل وأراد أن يصبح مشهوراً، وأراد أن يأتي بهؤلاء الأشخاص لكي يقود بعثة للعمل مرة أخرى داخل هرم خوفو، ويقوم بعمل ثقب في أرضية حجرة الدفن لكي يتم الكشف عن الحجرة السرية المزعومة التي يريدون الكشف عنها، وقاموا بعمل اتصالات مع الكثير من المسؤولين المصريين والفرنسيين لمحاولة العمل داخل الهرم، بل وبدأت الصحافة الفرنسية تتصل بي لمعرفة السبب في أنني لا أريد أن أصرح لهم بالعمل داخل هرم خوفو، وقلت لهم عبارة نشرتها أغلب الصحف: «هل لو حضرت ومعي بعثة مصرية وطلبت أن نعمل في كنيسة نوتردام: هل توافقون على أن نخرم سقف الكنيسة لمجرد أن عندي فكرة قد تكون صحيحة أو خاطئة؟!»... وقد صممت على عدم التصريح لهؤلاء المهرجين بالعمل داخل الهرم؛ حتى لا يقوموا بعمل إعلان آخر ويقولوا وبفخر «إحنا إللي خرمنا الهرم».
وهناك حكاية أخرى، بطلها للأسف اثنان من مصر وآخر من فرنسا لا ينتمي بصلة إلى أي معهد علمي أو جامعة، أما السيدة المصرية فكانت تعمل معي في دراسة عظام العمال، وأعطت له صوراً للهياكل العظمية الخاصة بالعمال لينشرها في كتاب أصدره عن الهرم، أما المصري الآخر فكان يرأس الآثار وأعطى له تصريحاً لكي يقوم بعمل خرم نحو 25 سم في أرضية الحجرة الأولى التي تقع أسفل الهرم بنحو مائة متر، ولم أوافق على أن يعمل رغم قرار اللجنة الدائمة... وظل الرجل في مصر حتى جاء رئيس الآثار من فرنسا ليصدر قراراً من مكتبه بأن يقوم الفرنسي بثقب أرضية الحجرة الأولى، وقام بإرسال عميلين من مكتبه لكي يشرفا على هذا العمل البعيد عن العلم، وكان الرجل يحفر في أرضية حجرة الهرم، وأنا جالس في مكتبي بالهرم أشعر بالأسف على وجود أشخاص بهذا الشكل على قمة العمل الأثري... كانت الآثار دائماً تعمل على أكتاف الأجانب ونحن نتفرج ونصفق لهم. تغير الحال بعد سنوات قليلة بعد أن أصبحت أمور الآثار بيدي، وأصبح الأثري المصري على مستوى راقٍ من العلم والتدريب؛ ينافس الأثري الأجنبي، وأصبحنا نحفر ونكتشف وننشر أعمالنا بشكل علمي أكسبنا احترام العالم.