ميغان ماك أردل
TT

فكرة لها جانب مظلم

استكمل إيمانويل ماكرون ملامح ثورته السياسية. ولقد جاء الرجل من أوساط سياسية غير معروفة للجميع، فهو لم يكن ينتمي إلى حزب سياسي يؤيده ويشد من أزره، وفي غضون شهور قليلة، تمكن من اعتلاء سدة الحكم والرئاسة في فرنسا، ثم قاد حركته السياسية الجديدة إلى الفوز في بالأغلبية في الانتخابات التشريعية الفرنسية. والآن، يستعد الرئيس ماكرون الشروع في ثورة جديدة من خلال إعادة هيكلة الهيئة التشريعية في البلاد: عن طريق تقليل عدد النواب، والحد من فترات تمثيل المشرعين، وتوفير «جرعة» من التمثيل النيابي النسبي.
فما الغرض من تقليل عدد النواب والمشرعين؟ لأن الهيئة التشريعية ذات العدد الكبير يكون من العسير فيها جمع كلمة النواب على الموافقة على أي تشريع أو قانون جديد. يمكن لثلاثة أشخاص التناقش عن مكان تناول الغداء، ولكن عندما يكونون 20 شخصاً، فلا بد من تسوية المسألة بقرار تنفيذي!
وفي الوقت نفسه، فإن حدود فترات التمثيل والتمثيل النيابي النسبي – أي الفكرة القائلة بأن نسبة تمثيل الحزب في الحكومة لا بد أن تماثل تقريبا النسبة التي حصل عليها في التصويت الوطني – تعد بإصلاح كل ما يكرهه الناس عن الإرث السياسي الأميركي من إنجلترا: مقاطعات النائب الواحد بنظام الفائز بأكثر الأصوات تميل لأن تسحق الأحزاب الصغيرة، وأسفرت عن وجود كيانين حزبيين كبيرين اللذين لا يرضيان أحد من المواطنين بصورة كاملة.
وكافة هذه الأفكار، هي في واقع الأمر المفضلة لدى حفنة من الناس التي يمثلهم ماكرون والموصوفة بأنها: المدنيون المثقفون من ذوي النزعات التكنوقراطية الذين يعتقدون أن أكثر المشاكل أهمية يمكن حلها من خلال التلاعب بقواعد النظام. وهم ينظرون إلى الفوضى التي خلفها الجهاز السياسي المسن ويفكرون «يجب أن نكون قادرين على العمل بطريقة أفضل». وعندما ننظر نحن إلى هذه الفوضى، من الصعب للغاية ألا نتفق معهم.
ومع ذلك، هناك الكثير من الأسباب لرفض ما يقترح السيد ماكرون القيام به. ولنبدأ بفكرة التمثيل النيابي النسبي، وهي الفكرة التي يبدو من الصعب للغاية الاستخفاف بها: إذ ينبغي على الأحزاب الشعبية أن تحتفظ بالمزيد من السلطة. فمن يجرؤ على الاختلاف مع هذا المبدأ الواضح؟
إن عدم الاستقرار الذي يوحي به التمثيل النيابي النسبي من شأنه أن يجعل الحكومة رهينة أعضاء الائتلافات الصغيرة – وهو السبب، على سبيل المثال، في حصول الأحزاب اليمينية المتطرفة في إسرائيل على هذا التأثير الهائل في السياسة الداخلية. حسنا، ولكن ماذا عن حدود الفترات النيابية؟ من يريد الحياة السياسية التي يربت فيها المشرعون على أكتاف بعضهم بعضا أثناء تبادل آيات الفضل والثناء في حين يرسخون من قبضتهم على السلطة؟ ألا يجدر بنا جميعا السعي إلى الحصول على مجموعة من المواطنين المشرعين، وجلب خبرات العالم الحقيقي إلى الدوائر الحكومية، ثم نعود إلى بعض من العمالة المنتجة الحقيقية؟
إن المواطن المشرع هو من المبادئ الرائعة في حكومات القرن التاسع عشر المصغرة، التي لم تكن تقوم بفعل أي شيء عملي على الإطلاق. وإن كانت لدى أحدنا خطة قابلة للتطبيق للوصول إلى شكل هذه الحكومات المصغرة، فإنني كلي آذان صاغية! ولكننا في الديمقراطيات الغربية نملك حكومات القرن الحادي والعشرين، أي الحيتان المتضخمة للغاية لدرجة أن هناك أنظمة بيئية بأكملها تسبح في عالمها. وعلى غرار ما يحدث في الأنظمة البيئية المعقدة، فإن التغيرات التي تبدو جدا بسيطة يمكن أن ترجع بآثار غير متوقعة وربما كارثية.
وبالنسبة لما حدث عندما وصل المواطنون المشرعون إلى مقرات الحكم في بلادنا، كانت المثل العليا باقية في المخيلة مع الفترات الزمنية القصيرة للغاية لإحداث الفارق المطلوب. ولقد اكتشفوا أن القروش السابحة من حولهم (مثل جماعات الضغط المؤثرة والبيروقراطيين، وغيرهم)، على النقيض تماما منهم، ليست فترات وجودهم مقيدة بمدد معينة.
لذلك؛ في حين أن جماعات الضغط والبيروقراطيين يميلون إلى معاملة المشرعين مثلما يتعاملون مع الفطريات – من حيث إبقائهم في ظلام وتغذيتهم بالأسمدة – يمكنهم مواصلة فعل ذلك بسبب أنهم يعرفون تماما أن الفترة النيابية التالية، سوف يكون المشرعون موجودين، وسوف يتذكرون كل شيء. ويكتسب المشرعون المزيد من الخبرة بمرور الوقت في مجالات أعمالهم، ويستطيعون اتخاذ ردود الفعل في حينها.
وفي حين أنه صحيح أن فترات التمثيل النيابي تحد من نفوذ السياسيين من أصحاب المصالح الخاصة، فإن هذا النفوذ لا يرجع مرة أخرى إلى الناخبين. بدلا من ذلك، فإنه يصل ويسلم إلى البيروقراطيين وجماعات المصالح – ذات المصالح الذاتية والتعاملات الخاصة – لكن بدرجات أقل من المساءلة أمام الرأي العام والجماهير.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»