حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

إنه الاقتصاد ثم الاقتصاد

إنه الاقتصاد ثم الاقتصاد ثم الاقتصاد. يبقى ذلك هو المحرك الأساسي لسياسات الدول وتوجهاتها. والسعودية تدرك ذلك بشكل جيد. لقد كانت الظروف منذ الربع الأخير من عام 2014 تزداد توترا وتشير إلى ضرورة وضع حد للتدهور المتوقع والقيام بإجراءات حاسمة تخص إعادة هيكلة جذرية للاقتصاد، وتحديدا بعد بدايات الانهيار في سعر النفط من حد أعلى وصل إلى 110 دولارات إلى كسره لحاجز الأربعين دولارا للبرميل الواحد.
ومما زاد المشكلات تفاقما وجعل ما يحصل صعباً، هو أن الظروف كانت مقيدة تماما والأدوات التي يمكن أن تؤثر بالإيجاب على الحراك الاقتصادي معقدة. فمن جهة أسعار الفائدة لم يكن من الممكن تحريكها بشكل سهل، ولا عمليات السوق المفتوحة كان بالإمكان تحققها بشكل معقول، وطبعا لم تكن هناك بنية تحتية من سياسات وأنظمة وقوانين وتشريعات وآليات تحصيل للضرائب. وعليه لم تجد الدولة نفسها إلا التحرك من خلال مجال رئيسي واحد، وهو الحد الفوري من الإنفاق الحكومي على المشروعات ورفع الاحتياطي الإلزامي على المصارف، في محاولة جادة وحاسمة لوقف استغلال السيولة الضرورية. هذه الإجراءات المهمة والملزمة وقتها كان من نتائجها الطبيعية والمنتظرة حصول تباطؤ في الاقتصاد وصل إلى حد الركود، وهو ما أدركته الإدارة السعودية، وبدأت في اتخاذ إجراءات تحفيزية لعلاج الوضع. ومن المهم هنا الانفتاح بشكل جريء وغير مسبوق على أدوات التحفيز بشكل يليق بأكبر اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وأحد أكبر اقتصادات العالم، وبالتالي لا بد من الاقتناع بأن علاج التباطؤ لن يكفي معه استخدام أدوات التحفيز فقط، ولكن تسلسلها سيكون له أكبر الأثر الإيجابي في نجاح تنفيذ المطلوب.
إصدار السندات الخارجية مسألة بديهية ومطلوبة لاستغلال الملاءة المالية للسعودية والتصنيف الإيجابي لها، ولكن أن يكون هدف الإصدار هو تحقق ثلاث خطوات أساسية ومهمة وهي: 1 - تسديد دفعة مهمة جدا من مستحقات المقاولين والشركات المتأخرة. 2 - ضخ حزمة من المشروعات المهمة لتحريك الدماء في الاقتصاد وتحفيز العنصر النفسي الإيجابي. 3 - إعادة الاحتياطي الإلزامي الاستراتيجي للمصارف إلى مستويات عام 2014 للضرورة. إذا ما تمت هذه الخطوات فستكون الأرضية المهمة في سباق التتابع حتى يتم تسليم العصا بعد ذلك لنتائج طرح أسهم شركة أرامكو المنتظرة في عام 2018، وهي المسألة المتوقع أن تشكل حراكا اقتصاديا كبيرا ومؤثرا.
أيضا لا بد من الإشادة ومن ثم الإشارة إلى أن هناك تقدما وتحسنا كبيرا في عملية وآلية اتخاذ القرار، ولكن يبقى التحدي في تفاوت جاهزية واستعداد بعض الأجهزة وقدرتها على تنفيذ القرارات بشكل سلس ومؤثر وفعال، مما يعني أنه لا بد من اللجوء إلى نقطة ترتيب مرور التشريعات حتى لا يتسبب ذلك في إرباك في التنفيذ والأداء، وبالتالي فقدان الاستثمارات المنتظرة والمطلوبة.
يدرك السعوديون حجم وأهمية وضرورة التغيير والتطوير والإصلاح والتجديد، وهم أول من يشجع ويدعم ذلك، ولكن يجب على الجميع القيام بما عليهم عمله دون اتكالية على الغير للإنجاز، آخذين في عين الاعتبار أننا جزء من العالم والمجتمع الدولي، وهناك معايير تطبق على الكل يجب أخذها في عين الاعتبار، وعليه فإن إدارة التغيير تبقى هي المحك حتى لا تلقي ظلالا على مناخ الاستثمار.