حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الشركات أهم من الحكومات

الشركات أهم من الحكومات... هذا هو باختصار شعار مرحلة الاقتصاد الرقمي الجديد. وما يحدث اليوم فيه ما هو إلا تأكيد صريح لذلك.
قديماً كانت الحكومات عبر خططها ووزاراتها تصنع الخطوط العريضة للتوجهات والطموحات الاقتصادية، فتلعب الشركات في المساحات والحيز المسموح لها به. واليوم أتاحت التقنية الحديثة وسائل تمكين غير مسبوقة، وقدمت حلولاً عظيمة لمشكلات بسيطة وعويصة، وأصبح مصطلح «إعادة الهندسة» واقعاً يتعايش معه كل المستثمرين في القطاعات كافة؛ فالتقنية، التي قدمت بصفتها حلولاً من قبل الشركات وليس من قبل الحكومات لقطاعات الاتصالات وقطاعات البنوك المالية، أحدثت، على سبيل المثال، ثورة وانقلاباً هائلاً وتغييراً كاملاً في نماذج الأعمال التقليدية لتلك القطاعات وأسلوب السداد يتغير للآن، واليوم النقود في طريقها للانقراض، وستنتقل من الدفع الإلكتروني إلى الدفع الهاتفي الجوال.
التلفزيون في طريقه هو أيضاً إلى الانقراض بمفهومه الحالي، لتحل محله حلول جديدة تجعل الخيار في يد العميل مباشرة من قبل الشركة وليس من قبل الحكومة. التعليم والصحة أيضاً سيكونان القطاعين المرشحين لرؤية تطور هائل في نماذج الأعمال فيهما، بحيث تكون النماذج الجديدة أكثر مرونة وفاعلية وتأثيراً، وتكون بشكل أكثر تفاعلاً مع احتياج العميل المقصود.
هذا النموذج سيكون المعيار فيه لقوة الشركة وليس لشروط الحكومة. هناك شركات عملاقة ومؤثرة جداً باتت لديها القدرة على فرض شروطها على معظم حكومات العالم بمختلف أشكالها، أو على أقل تقدير قد تحدّ حكومات العالم من أنشطتها إذا ما شكّت في قدراتها، تماماً مثلما حصل مع شركتي «غوغل» و«ياهو» في الصين، وتماماً كما كان يحصل مع شركات «إكسون موبيل» و«شل» و«تويوتا»، النفطية في كثير من دول العالم، أو بعض البنوك التي تنتمي لدول استعمارية مثل بريطانيا وفرنسا.
اليوم «أمازون» بصفتها شركة باتت مصدر رعب لكثير من الحكومات، لأنها تهدد قطاعات التجزئة في بلادها، والتي توظف العشرات من المواطنين، وكذلك الأمر بالنسبة لشركات السياحة الافتراضية التي قضت على وكالات السياحة فضاعت معها الملايين من الدولارات المستثمرة والمئات من الوظائف المختلفة.
الشركات أقوى من الحكومات. والحكومات باتت تدرك أنها لم تعد قادرة على فرض شروطها ذات يوم على «كوكاكولا» للإفصاح عن مقادير وصفة مشروبها السرية، ولم تكن تستطيع إجبار شركة «مايكروسوفت» على إعطاء مفاتيح البرامج لها. كانت الغلبة دوماً لشروط الشركات، وهي جميعها بلغت من القوة المالية والتأثير القانوني ما يفوق كثيراً من حكومات العالم مجتمعة.
شركات «آبل» و«تويوتا» و«نايكي» و«غوغل»، على سبيل المثال، لقراراتها وإعلاناتها المالية وسياساتها التسويقية من الأثر العالمي الفوري ما يفوق دول العالم؛ أو أغلبها على أقل تقدير.
«الشركات أقوى من الحكومات» ليس شعاراً ولا تحذيراً، ولكنه تأكيد على أن قوة الشركات جاءت على حساب السيادة، وهذا هو عنوان المرحلة المهمة المقبلة.