سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

كان أمام قطر... ولا يزال!

على مائدة إفطار رمضانية في القاهرة، سألت مسؤولاً مصرياً مهماً: كيف ترى مسار الأزمة مع قطر؟!... قال: من الضروري أن أوضح هنا، أن الدول الأربع التي قاطعت الدوحة، ليست مشغولة بقطر، كدولة، بقدر انشغالها بدعم قطر للفكر المتطرف، وللمتطرفين، وهو دعم لا بديل عن إيقافه، بعد أن دام سنوات ألحق خلالها الضرر البالغ بدول في المنطقة، ولا يزال يلحقه.
ثم قال: إن المكسب الأكبر للمنطقة كلها، وليس للدول الأربع وحدها، أن الحكومة القطرية كلما راحت تتكلم في الموضوع مع أي طرف دولي، أنصت إليها إلى آخر كلامها، ثم توجه نحوها بالحديث قائلاً: ولكن لا بد من وقف دعمك للإرهاب بكل أشكاله!
استمعتُ باهتمام إلى عبارات الرجل، ثم سرح خيالي، وطاف في ذهني كيف أن قطر كانت ولا تزال منذ بدء الأزمة تذهب إلى برلين – مثلاً - أو إلى روما، أو إلى واشنطن، شاكية من الدول الأربع، فتخرج من كل عاصمة من هذه العواصم، وهي في موضع لا تعرف فيه كيف تدفع عن نفسها تهمة دعم التطرف، ولا تعرف ماذا عليها أن تقول، ولا بماذا عساها أن ترد وتفند!
كان وزير خارجيتها يطير إلى أي عاصمة، على طريقة «ضربني وبكى... وسبقني واشتكى» فيكتشف أن العاصمة التي طار إليها يشكو، على دراية بما جاء يشكو منه، على حقيقته، لا على الصورة المبالغ فيها التي يحاول هو رسمها لأبعاد الأزمة، ثم على دراية أكبر بما على بلاده أن تفعله، إذا ما أرادت أن تسوي الأزمة بطريقة عادلة، وإذا ما أرادت أن تحترم سيادة دول الإقليم، المجاورة لها، والبعيدة عنها، على حد السواء!
ولم يكن على بلاده أن تفعل شيئاً محدداً، سوى الكف عن دعم الفكر المتطرف، على كل مستوى، سواء كان هذا المستوى دعماً بالإعلام، أم بالمال، أم بالسلاح!
هذا في حد ذاته مكسب كبير إزاء فكر متطرف، أرهق المنطقة، وتربص بدولها، ولا يزال يرهقها ويتربص بها، ولا تزال الدوحة تتظاهر بأنها لا تعرفه، ولا تدعمه، مع أن الحركة كلها من جانبها تتم على مسرح مكشوف يراه كل ذي عينين، ويميزه عما سواه، كل ذي بصر!
وهكذا... وجدت الحكومة في قطر، أنها في موقع لم يكن يخطر لها على بال... موقع الذي لا يشغله شيء في دنياه، سوى الدفاع عن نفسه، ضد تهمة تلاحقه، مهما نفاها، ومهما حاول أن يُبدي عدم صلته بها... إن عليه أن يثبت العكس... وبتعبير أوضح... عليه أن يثبت براءته، في لحظة هو يعرف تماماً فيها، أن لدى الطرف الآخر، ما لم يعلنه بعد!
إن عليها أن تتصرف بطريقة مختلفة، عما تصرفت بها منذ بدأت الأزمة إلى اليوم... عليها أن تعتمد طريقة مغايرة تقربها من الحل، وهو في متناول يدها، بدلاً من أن تباعد بينها وبينه... ولو أنصفت نفسها، لكانت قد تلقفت قائمة مطالب الدول الأربع، باعتبارها طوق نجاة بالنسبة لها، ثم تكلمت حولها كما يتصرف كل مفاوض شاطر في العالم يتلقف الطوق المُلقى إليه، ولا يفرط فيه!
صحيح أن الدول الأربع أعلنت منذ اللحظة الأولى، التي أعلنت فيها قائمة المطالب، أنها لا تساوم حولها، وأن للقائمة مدى زمنياً سوف تكون لاغية عند آخره... صحيح هذا تماماً، ولكن الدول الأربع المقاطِعة كانت تنتظر نوعاً من إبداء الجدية في النظر إلى المطالب، من جانب الدوحة، لا أن يخرج وزير خارجيتها فيقول إن المطالب وُضعت لتُرفض!.. فكأن بلاده لا تعيرها أي اهتمام!
لقد جاء يوم أعلن فيه عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، أن الرياض لا تمانع في مد قطر بحاجتها من الغذاء، ومن الدواء، إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك.
كان هذا قبل إعلان قائمة المطالب، وكان تصريح الوزير الجبير بمثابة طوق نجاة أول في حينه، ولو أحسنت الدوحة استقباله، ولو أدركت معناه ومراميه، لكانت قد أعلنت على الفور أنها أوقفت شحنات الغذاء القادمة إليها من موانئ إيران، وأنها ستستقبل شحنات بديلة من معبر سلوى بينها وبين المملكة.
كان الوزير الجبير، فيما أظن، يريد أن ينصح الحكومة القطرية وهو يطلق تصريحه، بأن تبتعد عن طهران، وأن تبعدها عن أن تكون طرفاً في الأزمة؛ لأن وجودها طرفاً مسألة لن تتسامح فيها بلاده... ولكن قطر لم تلتقط الرسالة على نحو ما كان عليها أن تلتقطها عليه، ومضت في استدعاء الإيرانيين إلى أرضها، وهي على يقين من أن هذا خط أحمر، لا تهاون فيه!
كان أمام قطر دولتان من بين دول مجلس التعاون الخليجي، هما الكويت وعُمان، وكان في إمكانها أن تلجأ إليهما، للحصول على الغذاء والدواء، بديلاً عن اللجوء إلى طهران؛ وتجنباً لاستفزاز الرياض التي لا تقبل اللعب مع إيران على حسابها، ولا تتجاوز عنه، ولا تغض عنه البصر في أي ميزان.
كان أمامها هذا... ولا يزال!