أمارناث أماراسينغام وجاكوب ديفي
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

ماذا عن إرهاب اليمين المتطرف؟

مرت يوم الجمعة الماضي الذكرى السنوية الأولى لاغتيال جو كوكس، عضو البرلمان البريطاني التي اغتالها توماس مائير، الذي يقضي حاليا عقوبة السجن مدى الحياة جراء جريمته. ولقد صرخ المجرم المدان يقول: «هذا من أجل بريطانيا» أثناء إطلاقه النار على السيدة كوكس، التي تبلغ من العمر 41 عاما والسياسية عن حزب العمال البريطاني ووالدة طفلين، قبل أسبوع من إجراء الاستفتاء على خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي. وبقدر الصدمة التي خلفتها هذه الحادثة المريعة، فإنها لم تأت خبط عشواء. ففي السنوات الأخيرة، كان هناك ارتفاع ملحوظ ومشاهد في العنف من تيار اليمين المتطرف في بريطانيا، حتى وإن كانت مرات تكرار الحوادث ومدى قسوتها أقل مما شاهدناه من الهجمات الشرسة الشديدة التي شنها تنظيم داعش الإرهابي على الأراضي البريطانية.
وجاء في تقرير لمكتب المساءلة الحكومية، أن تواتر هجمات اليمين المتطرف قد ازداد أهمية في الولايات المتحدة، حيث كان المتطرفون البيض والمناهضون للحكومة والنازيون الجدد مسؤولين عن ارتكاب 73 في المائة من الهجمات الإرهابية الدموية منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001. ومن الجدير بالذكر كذلك، أن المسلمين أصبحوا هدفا لهذه الهجمات في كثير من الأحيان.
وفي فبراير (شباط) من عام 2015، قتل ثلاثة شبان من المسلمين رميا بالرصاص في تشابل هيل في مدينة نيويورك على أيدي رجل يدعى كريغ ستيفن هيكس يبلغ من العمر 46 عاما (ولم يصدر تقرير رسمي عن مكتب التحقيقات الفيدرالية إذا ما كانت هذه الحادثة من ضمن جرائم الكراهية أم لا). وفي أبريل (نيسان) من عام 2015، ألقي القبض على روبرت دوغارت من ولاية تينيسي لعلاقته بمؤامرة مدبرة لتجنيد أعضاء مجموعة مسلحة والهجوم على جالية للمسلمين في ولاية نيويورك. وفي عام 2016، أدين غليندون سكوت عضو جماعة كو كلوكس كلان اليمينية المتطرفة على خلفية مؤامرة لقتل عدد كبير من المسلمين بالإشعاع. وفي مايو (أيار) من العام نفسه، تعرض رجلان للطعن حتى الموت في أحد القطارات بمدينة بورتلاند في ولاية أوريغون على أيدي أحد القوميين البيض الذي يدعى جيريمي جوزيف كريستيان بعد تدخلهما عندما تحرش بسيدتين صغيرتين، وكانت إحداهما ترتدي حجاب الرأس، وكان يتفوه بعبارات مناهضة للمسلمين.
وبعد سلسلة من الحوادث الإرهابية في بريطانيا ما بين التي أعلن تنظيم داعش مسؤوليته المباشرة عنها، أو التي نفذت استلهاما لدعواه ودعاياه، تحرك في الساعات المبكرة من صباح الاثنين الماضي سائق لإحدى الشاحنات بسيارته وقام بدهس مجموعة من الرجال المسلمين الذين كانوا قد حضروا لتوهم لأداء الصلاة في أحد المساجد بحي فينسبري بارك في شمال العاصمة لندن. والمشتبه فيه، والذي سرعان ما حوصر وألقي القبض عليه، كان يهتف بصوت مرتفع ويقول إنه يريد قتل المسلمين كافة. وكانت طريقته الهوجاء في الهجوم تحاكي الأسلوب الإرهابي الذي استخدمته من قبل العناصر التابعة لتنظيم داعش في بعض العمليات الإرهابية السابقة.
وفي حين أن الهجمات العنيفة التي يقوم بها الإرهابيون تحظى بالقدر الأكبر من الاهتمام، علينا توخي المزيد من الحذر عن تجاهل التهديدات التي يشكلها أولئك المتطرفون الذين ينتمون إلى شبكات اليمين القومي المتطرف الأكثر ارتباطاً وصلة. فإن آيديولوجيات هذه الحركات المتطرفة وأفكارها ذات نزعة تعاضدية، حيث يلعب كل فريق منها دور الخائف الوجل من الطرف الآخر؛ بغية حبك المبررات المسوغة للهجمات والبعث برسائل مفهومة الفحوى والمعنى والتي ترمي إلى استقطاب المزيد من الأتباع والأنصار.
وبعض الهجمات المنعزلة على ما يبدو على غرار تلك التي شهدها مسجد حي فينسبري بارك لا تتلقى في كثير من الأحيان الاستجابة المناسبة من صناع السياسات كما ينبغي لها، ويرجع ذلك في جزء منه إلى أن تعداد الضحايا يميل إلى أن يكون أقل، وبسبب أن المهاجمين المنفردين لا ينتمون بالضرورة إلى أي منظمة محظورة بشكل رسمي؛ ولذلك يبدو أن المخاطر الناشئة عنها هي أقل في منهجيتها من الحوادث الإرهابية الأخرى. وبعض الحوادث اليومية الأخرى، والتي تصنف خارج نطاق العنف المتطرف أو الإرهابي، مثل تعرض إحدى نساء المسلمين لخلع حجابها بالقوة في الشارع، أو التعرض لها بالإهانات اللفظية في مختلف وسائل المواصلات، لا تعتبر ذات صلة مباشرة بالظاهرة الأوسع نطاقاً والمتمثلة في التطرف العنيف.

*خدمة «نيويورك تايمز»