حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

قطر في خطر وهنا الممر

بعيد مضي سنة على فض اعتصام رابعة وسيطرة الجيش المصري على زمام الأمور في مصر وانتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد حراك 30 يونيو (حزيران) 2013، جرى لي حديث سريع وذو دلالة مع مسؤول قطري رفيع المستوى، همس في أذني قائلاً: «وإحنا في قطر ومعها قناة الجزيرة، وش علينا نلاحق الإخوان ونطالب بترجيعهم للحكم، ونضخم مظاهراتهم ومسيراتهم، ونحرج أنفسنا مع دول الخليج ونعرض مصر للانزلاق نحو حرب أهلية؟».
في تقديري أن هذه الهمسة السياسية المسؤولة والصادقة للمسؤول القطري ليست متنفساً لهذا المسؤول فقط، للتعبير عن رأيه الناقد لسياسة بلاده تجاه نظام الحكم في مصر فحسب، ولكنه في ظني يعني الدور القطري المتعاظم والمصادم لبقية المنظومة الخليجية، أقصد تجاه عدد من القضايا السياسية الشائكة التي أعقبت اندلاع الثورات العربية في تونس ومصر وسوريا واليمن، والذي أوقع حرجاً للدبلوماسية القطرية على المستوى الخليجي والعربي وحتى الدولي كانت قطر في غنى عنه، هذا ناهيك بأن التعويل القطري في تأييد الحراك الجماهيري في عدد من الدول العربية ضد أنظمتها أمسى لعبة دموية شديدة الخطورة باهظة التكاليف، خصوصاً بعد انتكاسة الثورات العربية وتحول دولها ما بين فاشلة بلا حكومة مركزية حقيقية تسيطر على ترابها وسواحلها وحدودها وينخرها الدمار المروع وانفلات الأمن والقتل والتهجير، وسيطرة الميليشيات المتناحرة كما هو الحال في ليبيا واليمن وسوريا، أو دول تعاني الأمرين من تبعات هذه الثورات الفاشلة اقتصاديا كما هو الحال في مصر وتونس.
يجب على قطر أن تتفهم الموقف السعودي القلق جداً من اتساع دائرة «الفوضى الخلاقة» التي يُراد لبقية الدول العربية المحورية أن تنزلق فيها، ومصر على وجه التحديد، فأمسى من غير المقبول وإيران توسع نفوذها العسكري والسياسي والآيدلوجي أن يبقى في السرب الخليجي طائر يغرد خارجه ويستغل «جزيرته» في توتير أجواء تعلوها أصلاً سحابة سياسية سوداء داكنة خانقة.
لقد تابعت قناة الجزيرة بعد أزمة العلاقات الخليجية الأخيرة مع قطر، فأسفت و«الجزيرة» تحول نغمتها تجاه حراك الحكومة اليمنية الشرعية ضد الانقلابيين الحوثيين وكأنها قناة «العالم» التابعة لحزب الله، ولو كانت حكومة قطر تنظر إلى النزاع في اليمن على أنه صراع استراتيجي لتخليص اليمن من الاحتلال الإيراني الذي يهدد كل دول المنطقة لما أثر في موقفها السياسي تجاه اليمن وتغطيتها الإعلامية المخزية خلاف عابر مع أشقائها في المنظومة الخليجية، يصف لي المسؤول القطري نفسه قناة الجزيزة وصفاً لافتاً فيقول: «قليل من الناس يدرك أن قناة الجزيرة بضخامتها وقوتها الإعلامية تتحول، في بعض الأحيان، من عربة يقودها الحصان إلى عربة تقود الحصان وتتقدم عليه وتؤثر في طريقه»، وعليه فالمحصلة المنطقية تقول بأن الحاجة أمست ملحة لترويض الحصان وإلا قلب العربة!!!
يجب أن تدرك قطر أن خطورة المرحلة والمتغيرات التي تجتاح المنطقة تتطلب مراجعات شاملة لسياساتها، وأن الزمن غير الزمن والحال غير الحال محلياً وإقليمياً وعربياً ودولياً، يتحتم على قطر أن تدرك أنها حين تقدم تنازلات في هذه المراجعات فهي لا تقدمها لعدو متربص يريد الإضرار بها، ولا لخصم متحفز يريد إهانتها وإذلالها، بل التنازلات والمراجعات نوع من «التطاوع» المحمود بين أشقاء البيت الواحد، وعلى وجه التحديد لشقيقتها الكبرى المملكة العربية السعودية.