روجر كوهين
كاتب, نيويورك تايمز
TT

إسرائيل وفلسطين من كلا جانبي المرآة

يصادف هذا الشهر الذكرى الخمسين لحرب 1967 واحتلال الضفة الغربية. ولقد تلاشت لحظة النصر العسكري الإسرائيلي، الأسرع والأكثر شمولاً مما كان متوقعاً، منذ زمن طويل في خضم الواقع الراهن المزري والقاتم: من قمع 2.5 مليون فلسطيني في الضفة الغربية، والمواجهة مع 1.8 مليون فلسطيني آخر في غزة التي تديرها حركة حماس، وتآكل الديمقراطية الإسرائيلية التي تصاحب الممارسات التوسعية المهيمنة. ورغم أن الاحتلال موصوف على الدوام بعدم الاستقرار والاستدامة، فإنه قد ثبت العكس في هذه الحالة.
لا يحتاج اليهود إلى مزيد من الدروس في آلام وعذابات النفي والإقصاء. ومع ذلك، فإن دولتهم الحديثة التي تحققت بعد سنوات طويلة ممتدة من الشتات والاضطهاد، قد جاءت على حساب سحب جنسية ودولة شعب آخر. ولقد سألت أربعة من أصدقائي - اثنين من إسرائيل واثنين من فلسطين - أن يكتبوا بإيجاز عن مشاعرهم في هذه الذكرى السنوية، ولسوف أذكر رأيي الشخصي في مقال لاحق.
سلام فياض، رئيس الوزراء السابق في السلطة الفلسطينية:
عند الذكرى الخمسين، لا يزال الاحتلال قمعياً للغاية، مسبباً للمزيد من التآكل داخل إسرائيل. ومع ذلك، فهو لا يزال مستمراً. وإيقاف هذه الحالة الديناميكية المعاكسة يستلزم منا - نحن الفلسطينيين - وإلى حد كبير، السعي الجاد والاضطلاع بالمهمة الكاملة من أجل تحرير أنفسنا، مما يتطلب توحيد النظام السياسي الفلسطيني، وتعبئة الدعم الشعبي حول الهدف المركزي المتمثل في إبراز واقع إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967، على الرغم من الاحتلال القائم.
قد يقول البعض إن السعي إلى التمكين في وجه سلطات الاحتلال المتقلبة يهدف إلى إضعاف فلسطين المحتلة، ومحكوم عليه بالفشل، أو حتى إذا نجحنا في إحراز بعض التقدم في اتجاه بناء دولتنا، فسوف ننجح فقط في التطبيع مع الاحتلال. وهذا المزيج الخطير من الانهزامية والشكوك الذاتية هي الوصفات المثالية للشلل والعجز.
لا بد أن نبتعد عن فخ التراخي والعجز، ويجب علينا - في كل الظروف - مواصلة الإصرار والمثابرة في سعينا لتحقيق التمكين. ومع ذلك، لا بد من إدراك أن الجدوى السياسية لهذا المسعى سوف تكون موضع شك كبير، في سياق أن حقوقنا الوطنية لا تزال غير معترف بها مع استمرار الأنشطة الاستيطانية، والغارات العسكرية، ومصادرة الأراضي، وهدم وتدمير المنازل.
وهذا هو الطريق إلى الأمام. وبعد كل شيء، فإن التمكين الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وجهان لعملة واحدة.
إيتامار رابينوفيتش، سفير إسحاق رابين إلى واشنطن، ومؤلف سيرته الذاتية، يقول:
كان (النعمة الملعونة) هو العنوان الذي أطلقه المؤرخ الإسرائيلي شابتاي تيفيث على كتابه الذي يدور حول آثار حرب الأيام الستة على إسرائيل. لقد كانت نعمة إذ إنها «حررت إسرائيل من أزمة خطيرة، وعززت من موقفها في مواجهة العالم العربي، وحولتها إلى قوة إقليمية، ونقلت علاقتها مع الولايات المتحدة إلى مستويات غير مسبوقة، والأهم من ذلك أنها وفرت لإسرائيل بطاقات المساومة من أجل صنع السلام مع أعدائنا العرب».
وقد استغرق الأمر عقداً من الزمان لتحويل المبدأ التجريدي «الأرض مقابل السلام» إلى سلام حقيقي مع مصر، و15 عاماً أخرى لتجديد عملية السلام، وللتوصل إلى سلام حقيقي مع الأردن، وحلول أوسلو الوسط مع القومية الفلسطينية. ولكن عملية أوسلو، وكانت محاولة لتحقيق التسوية السلمية لمطالب الشعبين بالأرض نفسها، لم يتم تنفيذها إلا بصورة جزئية، ثم توقفت. ثم اغتال أحد المتطرفين اليهود رئيس الوزراء إسحاق رابين. وبعد مرور 50 عاماً على 1967، لا تزال إسرائيل مثقلة بأعباء احتلال الضفة الغربية، مع تصورات السيطرة المستمرة على قطاع غزة.
يسدد كل من الإسرائيليين والفلسطينيين ثمناً باهظاً لهذا المأزق، إذ إن المحافظة على مشروع المستوطنات في الضفة الغربية يستنزف الموارد الإسرائيلية، ويلحق الضرر بشرعيتها الدولية، ويغرس المعايير السلبية في داخل إسرائيل. ولقد حان الوقت للسعي وراء اتفاقية الوضع النهائي التي ستفصل ما بين الشعبين، أو على أدنى تقدير توقف الانجراف الحالي نحو حل الدولة الواحدة.
نعرف جميعاً ما ينبغي أن يكون عليه اتفاق الوضع النهائي. ومن الناحية الواقعية، قد لا نكون قادرين على تحقيقه الآن؛ إن حالة السياسات الإسرائيلية والفلسطينية، والاضطرابات الكثيرة في المنطقة، وعلامات الاستفهام المتعلقة بإدارة الرئيس ترمب، قد تبدو لا يمكن التغلب عليها بحال. ولكن هناك طريقة لوقف الانزلاق التدريجي نحو الهاوية، من خلال إبرام اتفاق مؤقت يمنح الجانب الفلسطيني دولة مؤقتة على جزء كبير من أراضي الضفة الغربية؛ وهذا من المحرمات بالنسبة للحق الإسرائيلي والقيادة الفلسطينية، ولكنه الخيار الواقعي الوحيد بالنسبة لأولئك الساعين إلى إنقاذ حل الدولتين.
جويس الجوني، مدير مدرسة الأصدقاء في رام الله:
كنت أبلغ من العمر عامين عندما ألصقتني والدتي بشدة إلى صدرها، عندما رأينا الجنود الإسرائيليين يسيطرون على شارعنا في رام الله. كان ذلك في يونيو (حزيران) عام 1967، ثم تلا ذلك 50 عاماً من الحياة المشوهة بالقهر والظلم والاضطهاد اليومي من غير انقطاع.
إن الحياة في ظل الاحتلال العسكري تعني التعامل مع إطلاق النار على صديقي في المدرسة الثانوية، وغض الطرف من شدة الخوف عند رؤية جنود الاحتلال يضربون صبياً فلسطينياً صغيراً، ومحاولة إنقاذ زوجي من قبضة جنود الاحتلال في ليلة من ليالي الشتاء الباردة، وقضاء ليالي ممتدة من الرعب مع ولدي بعد أسابيع من القصف العنيف، وعدم السماح لنا بدخول مدينة القدس التي ولدت فيها، والعيش في آلام يومية مع العلم أن كثيرين من أبناء شعبنا لا يزالون لاجئين بعد مرور أكثر من 70 عاماً عاشوا خلالها لعقود متتالية تحت الحصار المستمر.
لم تكن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على أيدي جنود الاحتلال كافية لتعزيز التضامن مع الشعب الفلسطيني إلى الدرجة التي تغير بجدية من السياسات الخارجية للولايات المتحدة. وسياسة الكيل بمكيالين، والخنوع، وفشل المجتمع الدولي في الاعتراف بأحقية وكرامة الشعب الفلسطيني، لهي من الأمور الباعثة على المزيد من الأسى. إن المحنة الفلسطينية التي تأصلت عبر عقود من التطهير العرقي، ونزع الملكية القسرية، والفصل العنصري، قد تلاشت تماماً تحت وطأة الحجج المضادة التي لا أساس لها من الصحة، ومزاعم أنه لا يوجد شريك حقيقي في عملية السلام، وأن الشعب الفلسطيني يلقنون أطفالهم كراهية اليهود وأن القوة المفرطة لإسرائيل هي قوة انتقامية وليست دفاعية، وأن المستوطنات من الحقوق المشروعة لشعب إسرائيل.
وكما هو الحال بالنسبة لكثير من الفلسطينيين، يبدو أنه على الرغم من اعتقادي بعدم استخدام العنف، والتعايش في دولة ديمقراطية واحدة، فلقد تم تجريدي من إنسانيتي، واعتباري معادية للسامية - ومن غير الشركاء - وذلك حتى قبل أن أنطق بكلمة واحدة.
دان ميريدور، النائب الأسبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي من حزب الليكود:
حتى عام 1967، كان هدف العرب هو محو إسرائيل من على الخريطة. وبالنظر إلى عدم التماثل الدراماتيكي بين إسرائيل والدول العربية، من حيث الأرض والسكان والموارد الطبيعية، لم يكن العرب غير عقلانيين في افتراض إمكانية النجاح في تحقيق هدفهم على المدى الطويل. وكان الموقف العربي الموحد هو: لا اعتراف، ولا تفاوض، ولا سلام. وكانت الوسائل العربية في ذلك تشمل الدبلوماسية، والإرهاب، والمقاطعة الاقتصادية.
وعشية حرب الأيام الستة، عندما نقلت مصر قواتها إلى داخل سيناء، وأغلقت الميناء الجنوبي لإسرائيل، وأنشأت قيادة عسكرية عربية موحدة مع سوريا والأردن، وأعلنت أنها تسعى وراء تدميرنا، كانت إسرائيل تواجه في ذلك الوقت تهديداً وجودياً مباشراً.
وكان الانتصار الإسرائيلي الحاسم على جميع أعدائها في غضون ستة أيام قد غير وجه الشرق الأوسط بشكل كبير.
ولم تكن إسرائيل منتصرة فحسب، وإنما كان من المفهوم أيضاً أن تتحول إلى دولة قوية لا يمكن هزيمتها. وبدأ الحكام العرب الذين هاجموا إسرائيل من قبل في إدراك الحاجة إلى الوصول إلى طريقة ما لقبول إسرائيل. ولقد اختار بعض منهم في نهاية المطاف طريق السلام.
ولقد التقى الرئيس السادات مع رئيس الوزراء بيغين، وأظهر كلاهما قيادة رائعة، ووقعا على أول معاهدة سلام عربية مع إسرائيل. وجاء الملك حسين ورئيس الوزراء رابين بعد ذلك للتوقيع على معاهدة السلام الثانية.
وتم التوقيع على اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، وعقدت مفاوضات السلام مع سوريا، وأقامت دول عربية أخرى علاقات اقتصادية وسياحية غير رسمية مع إسرائيل. وهناك تعاون في مجال الاستخبارات والأمن.
وعملية التخلي عن هدف هزيمة إسرائيل، وقبولها في الشرق الأوسط، هي النتيجة المباشرة لإسرائيل القوية التي نشأت من رحم حرب الأيام الستة. والاضطرابات الحالية في العالم العربي توفر فرصة فردية من نوعها لتعزيز هذه التوجهات مع المزيد من الدول العربية.
إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يزال من دون تسوية، والاحتلال يسبب الأضرار المتزايدة في إسرائيل، ولكن حتى الحكومة الإسرائيلية المسالمة أثبتت عدم قدرتها على التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين؛ إن الوضع الراهن المستمر يلحق الضرر بكلا الجانبين. وهو يتحرك في مسار خطير، ويدعو على وجه الإلحاح إلى وجود قيادة شجاعة من كلا الجانبين لوضع حل للأزمة.
* خدمة «نيويورك تايمز»