خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

كولرج هذا الشاعر الغريب

يعتبر صموئيل كولرج من أروع الشعراء الإنجليز. درس الأدب واللغة في جامعة كمبريدج الشهيرة. بيد أنه شاء أن يقطع دراسته ويهرب من الجامعة ويلتحق بالجيش متنكراً كجندي خيالة بسيط سايلس كمبرياج. ظل ضباط الثكنة يتناقشون في هويته. يروي جوزيف كوتل، كاتب سيرته أن أولئك الضباط طرحوا أمره في الأخير على الطبيب العسكري للتحقيق فيما إذا كان مجنونا. أجابهم الضابط بأنه كان في الواقع يراقب سلوك هذا الجندي الشاذ، ولكنه لم يستطع أن يحزر من أين جاء وما هي خلفية هذه العائلة، كمبرياج. ولكنه ظل ينظر اليه كطير ظل مساره بعد طيرانه من اكسفورد أو من أعشاش كمبريدج.
ضحكوا جميعا عندما قال لهم الطبيب إن جسم كمبرياج مغطى بالكدمات والرضوض من كثرة سقوطه من الحصان! قال أحد الضباط: آه سيصلنا من حين لآخر واحد من أمثال هذه الطيور الأكاديمية من أوكسفورد أو كمبريدج. بيد أن آمر الثكنة عطف في الأخير على هذا الجندي الخائب فنقله إلى القسم الطبي حيث عيّنوه كمساعد في المستشفى العسكري. انطوى ذلك على تحسن كبير في أحوال الشاعر، بل وفي أحوال الجنود المرضى أيضا. لأن كولرج، أو كما سمى نفسه سايلس تومكن كمبرياج، أخذ يؤنسهم بحكاياته الطريفة الى حد أن قالوا إن حكاياته كانت تشفيهم من مرضهم بسرعة أعظم وأكفأ من عقاقير الطبيب!
كان جالساً في يوم من تلك الأيام على حافة سرير أحد المرضى وحوله عدد من المرضى الآخرين يستمعون كالمعتاد إلى حكاياته، عندما انفتحت باب الردهة وانبثق منها ثلاثة شبان من أصدقائه وراحوا يعاينون وجوه الحاضرين دون أن يتبينوا صاحبهم وهو في بدلته العسكرية. ولكنهم نجحوا أخيرا وتبينوا وجه كولرج فأمسكوا به من ذراعيه وقادوه مكتفا من الردهة!
فيما كانوا يقتادون إلى الخارج هذا التلميذ الهارب من الجامعة، تمتم أحد الجنود المرضى قائلا: مسكين سايلس! أرجو أن يستطيعوا دفع الخمسمائة جنيه عنه، بدل الخدمة العسكرية. وبالفعل حققوا ذلك الرجاء وفاوضوا القيادة بصدد بدله العسكري ودفعوه عنه، ثم خرجوا به وأعادوه للجامعة!
قابله الضابط المفتش قبل مغادرته الثكنة وراح يتحرى عن معداته العسكرية. لاحظ بين مجموعة البنادق بندقية صدئة للغاية فصرخ متسائلا: بندقية أي حمار هذه البندقية؟ أجابه كولرج: سيدي هل هي في غاية الصدأ؟ فقال الضابط: نعم يا كمبرياج ولم أرَ في حياتي بندقية أصدأ منها. قال كولرج: إذن يا سيدي، فلا بد أن تكون بندقيتي.
وكان الجواب على درجة من الشذوذ بحيث جعلت الضابط يستغرق في الضحك. وهكذا انتهت الخدمة العسكرية للشاعر الكبير. وعاد ليواصل نظم قصيدته الملحمية الخالدة: البحار العجوز. وبقينا نفكر ما الذي جعل هذا الشاعر الجامعي ينخرط في الخدمة العسكرية.