حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

قطر تاريخ مخجل

«هنري كيسنجر انك وشركاه» مكتب استشارات دولي، هكذا يعرف عن نفسه ذلك المكتب الاستشاري الغامض الذي تعود ملكيته لوزير الخارجية الأميركي الأسبق المثير للجدل.
هذا المكتب يوظف كثيرا من المسؤولين السابقين النافذين، وبالتالي تكونت لديه مع الوقت حصة جيدة جدا من الوزن المؤثر في أروقة صناعة القرار بالولايات المتحدة الأميركية. منذ سنوات ليست بالقصيرة من الزمن تعاقد هذا المكتب مع نظامين في العالم العربي «لإصلاح» صورتيهما وتقديمهما للنظام الأميركي على أنهما سيكونان أدوات استراتيجية له؛ الأول نظام علي عبد الله صالح في اليمن، الذي تعرض لهزة عنيفة جدا بعد أن تمكن تنظيم القاعدة الإرهابي في اليمن من القيام بعملية إرهابية كبيرة ضد المدمرة البحرية الأميركية «كول»، وأسقط كثيرا من الضحايا، وبدأت أصابع الاتهام تتجه صوب اليمن لتقاعسه. وفطن علي عبد الله صالح إلى أن عليه التحرك، فاتصل بنافذين من الجالية اليهودية من الأصول اليمنية في إسرائيل لفتح قناة تواصل مع المكتب الاستشاري، وعرض نفسه لأن يكون الشريك الذي يمكن الاعتماد عليه لمكافحة الإرهاب، وتم قبول بيع الفكرة لإدارة كلينتون، وبدأ الإغداق المالي عليه تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
أما الدولة الثانية التي تواصلت مع المكتب، فكان نظام الانقلاب في قطر. بعد انقلاب حمد بن خليفة على والده أدرك أنه يجب أن يحمي نفسه من كل المعارضين للانقلاب الغادر، وبدأ في ترويج نفسه على أنه «جاهز» لأن يكون الأداة الجديدة لتفعيل الفوضى الخلاقة في المنطقة لقاء حمايته بالقاعدة الأميركية في بلاده، وعلم أن وسيلة التحريك للجماهير هي الإعلام، وبات الطرح الجماهيري الثوري اليساري القومجي أحد شعارات المحطة الفضائية التي أطلقها باسم «الجزيرة»، وفي الاسم رمزية كبيرة لطموحات الانقلاب المريبة العابرة لحدود بلده الصغير والمتواضع حجما جغرافيا، وأطلقت المحطة منصات لبث كل أطروحات المعارضة للدول العربية المختلفة، وظهر في الوقت نفسه برنامج «الشريعة والحياة»، وهو برنامج في ظاهره ديني، إلا أنه في حقيقته ترويج لخطاب الإسلام السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وجعلت من الداعية المثير للجدل صاحب الفتاوى الإرهابية يوسف القرضاوي نجما، ومنحته الجماهيرية العريضة، وبالتالي الشرعية التي كان يبحث عنها ويتوق إليها، وكانت الخلطة الشيطانية التي ولدت الحراك الجماهيري، وشرعت الإرهاب كمقاومة في بلدان كليبيا والعراق ومصر وتونس، وباتت قطر ضليعة في المشهد الذي كان يخدم تماما ما يحصل في المنطقة وأجندة إدارتي أوباما وكلينتون، حتى كان حراك «تمرد» في مصر وخروج الملايين لإسقاط نظام محمد مرسي، ودعم السعودية والإمارات والبحرين للرئيس السيسي.
جن جنون نظام الانقلاب في قطر وزاد من حنقه وتهوره حتى اضطر للتنازل لولده شكليا بعد أدلة إدانته بدعم الإرهاب، واستمر الابن على النهج نفسه في دعم الإرهاب حتى فضحته الأحداث الأخيرة، وسقوط مشروعه الخبيث في أعين الملايين. قطر تغوص في وحل الفضيحة، ولن ينقذها سوى يقظة الشعب القطري نفسه، الذي يخجل الشرفاء منه مما يحصل، ولكن لا يجرؤون على الكلام خوفا من السجن أو تجريدهم من جنسيتهم كما حدث للآلاف من قبل فيها.
قطر غرقت في وحل الخيانة، وستخرج من التاريخ بخزي عظيم.