ميغان أوسوليفان
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

عن عزل قطر ومعاقبتها

يشعر الرئيس الأميركي بأن زيارته الأخيرة إلى الشرق الأوسط نجحت نجاحاً كبيراً، وكانت التدابير التي اتخذتها المملكة العربية السعودية وحلفاؤها من الخليج العربي، الأسبوع الحالي، لعزل قطر ومعاقبتها إحدى ثمار سياسته الجديدة.
لقد اتخذ الرئيس الأميركي خطوة جيدة للغاية باختياره المملكة العربية السعودية أولى الوجهات الخارجية في زياراته الدولية؛ فلا تزال المملكة تحظى بمكانة أقوى دولة في المنطقة العربية، وكانت الشراكة الأميركية السعودية، ولفترة طويلة، إحدى ركائز السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. ولقد توترت العلاقات الثنائية بين واشنطن والرياض بشكل كبير خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، التي سعت إلى اتخاذ الولايات المتحدة لموقف الوسيط المحايد في الخلافات البينية القائمة ما بين دول الخليج العربي وإيران. مما زاد من مشاعر عدم الاحترام والتقدير من الجانب السعودي، والتشكيك في مدى التزام الولايات المتحدة حيال منطقة الشرق الأوسط، وفقدان الثقة في المقدرة، أو حتى الاستعداد الأميركي للعمل معهم في مواجهة التحديات الإقليمية المستمرة.
علاوة على ذلك، كان الجانب السعودي أكثر حرصاً على إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة من أي دولة أخرى تقريباً. وخلال زياراتي إلى المملكة العربية السعودية خلال السنوات الثلاث الماضية، سُئِلت مراراً وتكراراً: هل عدم الاهتمام الأميركي حيال المملكة تتعلق دلالاته بإدارة الرئيس أوباما فحسب، أم أنه اتجاه أميركي أكبر؟! وكان الجانب السعودي حريصاً للغاية على معرفة الإجابة لاستعدادهم القائم لتجاوز ما وراء التصريحات الصادرة عن السيد ترمب بشأن المملكة العربية السعودية خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، بغية الوقوف على نوع العلاقة التي يمكن إقامتها خلال الأيام الأولى من تولي الإدارة الجديدة مقاليد الحكم في البلاد.
وفي ضوء ذلك، اشتملت زيارة الرئيس ترمب على قدر من الفرص، فالمملكة العربية السعودية، كما يمكن القول، في خضم إصلاحات اقتصادية لازمة لمواجهة الحقائق الجديدة في أسواق الطاقة العالمية. وهذا الكفاح لا يستلزم فقط تنفيذ التغييرات الاقتصادية، وإنما التغييرات الاجتماعية أيضا.
ومن الواضح تماماً أنه من مصلحة الولايات المتحدة أن تنجح المملكة العربية السعودية في هذه الجهود. ولكن بدلاً من الوقوف على هذه الارتباطات المهمة، كانت الرسالة التي بعث بها السيد ترمب خلال زيارته الأخيرة تتمحور حول أن الشؤون الداخلية في المملكة العربية السعودية ليست ذات أهمية حقيقية لدى الولايات المتحدة الأميركية، وإنما الإرهاب - والاستخدام الفعلي وواسع النطاق للقوة الصارمة في مكافحته - هو ما تنعقد عليه مصالح الولايات المتحدة في واقع الأمر.
ومع ذلك، حتى وإن لم تتفقوا معي حول الحكمة من إجراء حوار أوسع مع الرياض، فمن الأرجح أن تتفقوا معي أن الأمر الجدير بالأهمية الذي لا بد أن ينبثق عن إعادة العلاقات الثنائية ما بين واشنطن والرياض هو تفعيل التنسيق الوثيق والمباشر بشأن كيفية التعامل مع القضايا الإقليمية. وإحدى أكثر النتائج الضارة لتدني مستوى العلاقات بين إدارة الرئيس السابق باراك أوباما مع المملكة العربية السعودية كانت فقدان التنسيق الوثيق المتبادل بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك.
على سبيل المثال، أعلنت المملكة العربية السعودية في مارس (آذار) من عام 2015 أنها سوف تتزعم تحالفاً من الدول العربية في عملية عسكرية لإعادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى منصبه في البلاد، بعدما أطاح به المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران. ولقد صرح الجنرال لويد أوستن قائد القيادة الوسطى الأميركية إلى الكونغرس في وقت لاحق بأنه أُحيط علماً بالعملية السعودية قبل ساعة واحدة فقط من بدء تنفيذها. وفي وقت لاحق من العام ذاته، أعلنت الرياض تشكيل تحالف عسكري من 34 دولة من الدول الإسلامية لمحاربة الإرهاب، مما دفع بوزير الدفاع الأميركي وقتذاك أشتون كارتر إلى القول إنه يتطلع إلى معرفة المزيد عما يدور في ذهن القيادة السعودية حول ذلك الأمر.
كانت ردود الفعل حول حقيقة قيام المملكة العربية السعودية - جنباً إلى جنب مع الإمارات العربية المتحدة، ومصر، والبحرين، وغيرهم - بقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية وغير ذلك من العلاقات مع قطر متمثلةً في دعم الرئيس الأميركي للإجراءات الإقليمية العربية حيال قطر، إلى جانب دعوة كل من وزير الدفاع والخارجية الأميركيين إلى ضرورة الحوار والتأكيد على وحدة الخليج العربي.
وفي ضوء الإعادة الحقيقية للعلاقات الأميركية السعودية، كان حرياً بالدولتين الكبيرتين ودول الخليج العربي الأخرى العمل معاً على صياغة استراتيجية مشتركة لدفع قطر إلى الابتعاد عن دعمها المستمر للجماعات الإرهابية، التي تزعزع استقرار المنطقة. وكان من واجب الولايات المتحدة أن تجلب المزيد من الدعم والإسناد إلى هذه الجهود. ومن جانب الاستمالة (أو القوة الناعمة)، كان بإمكان واشنطن أن تدفع بثقلها الاقتصادي، وصفقات الأسلحة المرتقبة، وقدرتها في التأثير على الأعضاء الآخرين من دول مجلس التعاون الخليجي. وعلى جانب القسر (أو القوة الصلدة)، كان يمكن للولايات المتحدة إثارة احتمالات نقل قواعدها الجوية والمقر الرئيسي للقيادة المركزية خارج قطر، وربما التهديد بفرض العقوبات الاقتصادية على الدوحة (وبطبيعة الحال، من شأن ذلك أن يزيد في تعقيد العلاقات بين قطر وشركات النفط والغاز الأميركية).
والأهم من ذلك، كان يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دور الوسيط المثالي بين قطر وجيرانها في الخليج العربي؛ فهناك علاقات شخصية قوية ووثيقة تربط وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، رئيس مجلس الإدارة الأسبق لشركة «إكسون - موبيل» النفطية العالمية، بدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن تطورها المذهل ونموها الرائع يدين بجزء كبير من الفضل إلى مساعدة هذه الشركة في تطوير قطاع الغاز الطبيعي في الإمارات.
لا يحتاج الجانبان الأميركي والسعودي - ولن تكون لهما معاً - إلى مصالح متماثلة على نحو كامل حتى تكون الشراكة ما بينهما قوية، وذات مغزى، وتُسهِم فعليّاً في تحقيق استقرار المنطقة. غير أن الاتصالات المستمرة والتنسيق الوثيق هما من الأمور الضرورية في مثل هذه الشراكة حتى لا تكون مجرد فرصة عارضة لا تتجاوز مستوى الزيارة الفخمة للدولة الكبيرة.
وعندما يحين الوقت للموافقة على حزمة صفقات الأسلحة الكبيرة إلى المملكة العربية السعودية، فسوف يقدِّر الكونغرس الأميركي مدى صحة الشراكة الثنائية إلى حد كبير وفق مقدار عمل البلدين معاً على صياغة وتطبيق الاستراتيجية المزمعة. وعلاوة على ذلك، على الرغم من أن التطورات الأخيرة خلال الأسبوع الحالي، لا ينبغي أن تثني إدارة الرئيس ترمب عن السعي إلى إقامة علاقات أوثق مع الرياض، فلا بد لها أن تكون دعوة للاستيقاظ؛ بأن هناك كثيراً من العمل الذي يتعين القيام به لضمان أن عودة العلاقات الثنائية هي عودة حقيقية.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»