نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

قطر بين الطموح والجموح

الملهاة ذات الخصائص الدرامية، بدأت حين أصاب دولة قطر فيروس التطلع للعب دور كبير، في منطقة هي الأصعب والأعقد من بين مناطق العالم، ومع قوى تمتلك مؤهلات ذاتية للدخول في لعبة النفوذ الكوني.
المراقب من زاوية موضعية للمشهد، وتحديداً للدور القطري فيه، سواء كان صديقاً لقطر أو متحفظاً على سياساتها، كان يلحظ بوضوح شديد ركاكة الأداء وسطحيته، واتخاذه سمة دعائية، يقرأ اسم قطر على الواجهات دون أن تكون لها الفاعلية المفترضة في صنع السياسات أو التأثير على مجرياتها، كانت تبدو في كل الأحوال كمن يشتري الدور أو يستأجره، لمجرد إثبات الوجود، دون أن يكون لهذه العملية من أولها إلى آخرها أي مصلحة للدولة والشعب والنظام.
لعبة كهذه لا بد أن تفضي إلى خلاصات تنطوي على محاذير راهنة ومؤجلة، الراهن هو إحاطة قطر بنفور مستتر على الأغلب، ومعلن في بعض الأوقات والحالات، من قبل الدول التي تشكل مجالها الحيوي الأقرب، والأكثر تأثيراً ومحيطها الأوسع من الدول التي التقت سياساتها مع السياسات الخليجية، وصنفت بدول الاعتدال العربي وعلى رأسها السعودية ومصر، وحين مضت اللعبة في هذا الاتجاه، كانت قطر تجد نفسها متوغلة في علاقات غير منطقية مع خصوم الاعتدال، وتحديداً مع فصائل الإسلام السياسي، وإيران...
وفي زمن الفرز صارت السياسة القطرية ملتبسة ومثيرة للشكوك، فلا هي بالكامل هنا.. ولا هي كذلك هناك، والأغرب أنها لم تستطع لعب دور حتى في منطقة الوسط التي غالباً ما يكون عنوانها الوساطة.
كان دورها في غاية الغرابة، بل ولا تماثله إلا تجارب نادرة في هذا الاتجاه لا تصلح كنموذج في عالم السياسة، وهذا شجع من التقطوا كلمة السر لدوافع وأهداف الدور القطري، إلى تطوير استغلالهم لهذا الدور. إيران رأت فيه قوة من داخل البيت الخليجي تصلح للإرباك لا أكثر ولا أقل، وغير إيران رأت فيها زبوناً في أمر المال والاستثمارات، أما على صعيد التأثير السياسي فكانت قطر تتأثر أكثر مما تؤثر، فما الذي يستطيع مستثمرو العلاقة معها أن يقدموا لها، بينما هي تملك فقط ما تقدمه لهم.
كانت دول الجوار الخليجية على وجه الخصوص، تتعامل مع الجموح القطري بسياسة وسلوك قوامه الإقناع والاحتواء، وعدم تمكين الدولة الشقيقة من الذهاب بعيداً وعلى النحو الذي يؤثر بالعمق في المصالح الأساسية... كانت الوسائل تتراوح بين الإغراء والتهديد المتحفظ، إلا أن إمكانيات الانتقال إلى وضع آخر في ممارسة العلاقة مع الدولة الشقيقة كانت تتزايد يوماً بعد يوم، حتى صار ضرورياً اللجوء إلى حل جراحي كالذي نراه الآن...
إلى أين ستصل العملية الجراحية التي بدأت؟ وما المتوقع أن تسفر عنه أخيراً؟
بالتأكيد سوف يتواصل الحصار والعزل، مترافقاً مع فاتورة فيها بنود متعددة خلاصتها أن تعود قطر إلى حجمها الحقيقي، أي إلى دولة خليجية عربية تمتثل بالمطلق بقواعد التعامل مع دول الاعتدال، تحالف معهم، وتخاصم معهم، أي أن تكف عن التميز الذي يعني في الواقع الشذوذ عن القاعدة، وهذا يتطلب من الأشقاء المضي قُدماً في إجراءات متتالية تفضي إلى دخول الدولة القطرية في القالب الجديد الذي أنتجته تحالفات وخصومات الربيع العربي.
بعد الحصار المحكم قد تتحقق بنود الفاتورة، دون الاضطرار إلى الانتقال إلى مرحلة أخرى، والمرحلة الأخرى التي يمكن استنتاجها منطقياً هي التغيير الذي إن لم يقنع في أمر المواقف والسياسات والسلوك، فلا بد أن توجد الوسيلة لتغيير حاسم في النظام من داخل البيت القطري، الذي سيكتشف مع قسوة الحصار أن من أتى به هو الجموح غير الضروري لطموح غير موضوعي، يدفع الشعب القطري ثمن متاعبه وويلاته، دون أن يكون مقتنعاً أساساً بالسياسات التي أفضت إليه.