حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

حول أحداث بريطانيا الإرهابية

الذين ارتكبوا حوادث الإرهاب مؤخراً في لندن ومانشستر مسلمون، والذين ساهموا في نقل عدد من المصابين سائقو سيارات أجرة مسلمون، والأطباء الذين فتحوا عياداتهم الخاصة للمصابين مجاناً مسلمون، والذين تجمعوا في المساجد والمؤسسات الإسلامية للتنديد بحوادث الإرهاب وللتعاطف مع الضحايا مسلمون، والذين زاروا المصابين في مشافيهم أو بيوتهم مسلمون، والذين وهبوا المصابين والفارين بعض المرطبات بقالون مسلمون، والذين شنوا على الإرهاب والمتطرفين حملة في السوشال ميديا البريطانية مسلمون، هذا ما نقله لي أصدقاء بريطانيون في مانشستر.
هذا بالتحديد ما يجب على الأقليات المسلمة فعله بكل توجهاتها وميولها المذهبية والفكرية والسياسية، يجب عليها أن تندمج في المجتمع المحلي الاندماج المتوازن، الذي يحفظ لها هويتها وفي ذات الوقت يجعلها إيجابية متفاعلة تستحق الجنسية التي نافحت وتعبت واجتهدت، وبذلت من أجل الحصول عليها.
لقد أتى على الأقليات المسلمة حين من الدهر كانت في كثير من مواقفها إما سلبية أو منزوية منكفئة على نفسها، مما خلق في المجتمعات المضيفة شعوراً بالجفاء تجاهها وإحساساً بأن الأقلية المسلمة عاجزة عن التأقلم والاندماج في المجتمع المحلي، إلا أن مطلع الألفية الجديدة بدأ يشهد تغيراً إيجابياً ملحوظاً زادت وتيرته في العقد الثاني من الألفية، حيث رأينا ساسة واقتصاديين ومعلمين وفنيين وتكنوقراطاً وعائلات وطلاباً مسلمين يمثلون بحق «المواطن الصالح»، وبرز في الساحة السياسية سياسيون مسلمون معتدلون توجوه بنجاح خانين، الأول صادق خان الذي ظفر بمنصب عمدة لندن بعد صراع سياسي مرير مع منافسيه من حزب المحافظين، وأفضل خان عضو البرلمان الأوروبي وعمدة مدينة مانشستر السابق، وغيرهما من الساسة والأكاديميين ورجال الأعمال.
ومن المهم هنا أن نشير إلى خطأ يرتكبه بعض قيادات الأقليات المسلمة في الدول الغربية، وهو الربط بين الحوادث الإرهابية المأساوية التي يرتكبها متشددون مسلمون في الدول الغربية، كالتي ارتكبوها مؤخراً في لندن ومانشستر، وبين السياسة الخارجية للدول التي وقعت فيها أحداث إرهابية.
ثم إن هناك ما يجب أن يلتفت إليه المفكرون والإعلاميون والمثقفون العرب وهم يعالجون وتيرة أحداث الإرهاب المتصاعدة في الدول الغربية وخاصة بريطانيا، وهو ضرورة الاعتدال والحذر في فرز التطرف والمغالاة من حالة التدين، هذه العملية بالغة الدقة تشبه عملية دقيقة يجريها طبيب مخ وأعصاب، فأي خطأ طبي قد يؤدي إلى وفاة المريض أو إصابته بشلل مضاعف، وكذلك عملية فرز التطرف عن التدين التقليدي، إذا لم تكن بيد حاذق ماهر اجتز من تعاليم الدين وتشريعاته ما يتصوره تطرفاً وهو في الحقيقة من صلب الدين، وهذا ليس تنظيراً بل الواقع يسنده، فهناك عدد من المثقفين والإعلاميين والمفكرين وقعوا في هذا الخطأ، فبمجرد أن ظهر الإرهابيون المتطرفون بمظاهر معينة أو ممارسات محددة تعسف البعض فسلط هجومه على كل من يريد أن يمارس حياته الدينية، فأفسد طبخة محاربة التطرف والإرهاب وخلق ذريعة للمتطرفين الحقيقيين لدعم شعاراتهم التي تقول إن خصومهم لا يحاربون تجمعاتهم، بل يحاربون الدين نفسه، وهذا ما يبحث عنه الإرهابيون والمتطرفون لتعزيز مواقعهم وتجنيد أتباعهم.