د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

قطر... هوس الوهم والتناقض

تفاقم الطموح القطري في المنطقة منذ فترة الاستقواء بقاعدة العديد في مطار أبو نخلة القطري، مصحوباً بإقامة علاقة شاذة بفتح مكتب تجاري إسرائيلي في الدوحة، وتحولت بذلك قطر إلى تنفيذ مخططات مشبوهة في المنطقة باستخدام «الإخوان المسلمين»، والحرس الثوري الإيراني، وحزب نصر الله، وغيرهم.
فقطر وحدها لن تستطيع تحقيق طموحها بإقامة «إمبراطورية» بحكم ضآلة حجمها ودورها الإقليمي، فلن تستطيع فعل شيء دون وجود شركاء لها. لقد جمعت المال الفائض في خزانتها نتيجة كبر حجم مواردها وصغر حجم إنفاقها المحلي ومحدوديته، نظراً لصغر حجم الدولة وندرة السكان، فوجدت في الانتفاضات العربية فيما عرف بالربيع العربي، قاعاً عميقاً لا قرار له لترمي به ما فاض عن ثروتها الطائلة، لتثبت أن لها نفوذا في المنطقة وحضورا إقليميا، ولو بالمال المهدر على مطامع زائفة، ظنا من ساسة قطر أنها الطريقة المثلى لتحقيق هذا الوهم، التي سعت قطر وراءه منذ انقلاب الابن على أبيه، ومن خلال بوق إعلامي سمته «الجزيرة» ضخت له المليارات، وجلبت له الخبرات الإعلامية التي يسيل لعابها مع الإغداق المالي الوفير، فكانت بوقاً تمرر من خلاله الأخبار الكاذبة، وكانت المدخل المباشر للتدخّل القطري في تعكير المزاج العربي، وتضليل العقل الجمعي، لدرجة أنها كانت القناة الوحيدة التي يخصها تنظيم القاعدة برسائله للعالم.
إمبراطورية الوهم القطرية ومع التساهل الأميركي خلال الإدارة أوباما حيث كانت هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية الأميركية، سعت إلى التمكين للإخوان المسلمين من السيطرة على السلطة، ولكنها اصطدمت في مصر بوجود مؤسسة عسكرية عتيدة تمكنت خلال سنة من إسقاط حكم «الإخوان» في مصر، وحافظت على الدولة من السقوط، ولكن قطر استطاعت تنفيذ مخططها كاملا في ليبيا، بدءا من دعم ميليشيات مرتبطة بـ«الإخوان» وتنظيم القاعدة، ومنها «أنصار الشريعة»، و«الجماعة الليبية المقاتلة»، وميليشيات بوسليم، والتي استطاعت من خلالها تشكيل تحالف وزواج فاسد بين «داعش» و«القاعدة» و«الإخوان»، في حربها ضد المؤسسة العسكرية، التي حاول بعثها في بداية انتفاضة فبراير (شباط) الجنرال عبد الفتاح يونس، إلا أن الميليشيات المدعومة بالمال الهائل القطري، وخلال مرحلة انهيار الدولة الليبية قامت بالتخلص منه وقتله والتمثيل بجثته.
قطر دعمت الإرهاب وقوضت الاستقرار في ليبيا، وتنامى هذا الدور القطري لدرجة أن مفتي تنظيم الإخوان صادق الغرياني، قال في رده على المعارضين للدور القطري في ليبيا بالقول: «إن من لا يشكر قطر فهو أقل من الكلب».
الدور القطري لم يكن في ليبيا خاصة، بل كان في التدخل في زعزعة الاستقرار في تونس، لدرجة أن زعيم «الإخوان» في تونس، راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة التونسي، وفي حوارٍ له مع إحدى الصحف القطرية، قال إن «دولة قطر شريك في الثورة»، في حين لم يتساءل أحد عن حجم هذه الشراكة، وهل هي تعتبر تدخلا في الشأن الداخلي لدول أخرى أم لا.
مشكلة الساسة القطريين أن طموحهم أو مطامعهم كبيرة، أمام ضعف قدرتهم بحكم واقع صغر حجمهم الإقليمي والدولي، مما تسبب في حالة عبث سياسي، دفعتهم إلى اللجوء إلى العمل المافيوي الميليشياوي، من خلال الجماعات الإرهابية، بالدعم السياسي والإيواء والتمويل والإنفاق على جماعات، قد تكون كثيرا متناقضة الفكر العقدي، لا يجمعها سوى الإرهاب والتمويل القطري، كتنظيم القاعدة المحسوب على التيار السني، و«حزب الله» المحسوب على التيار الشيعي، وكلاهما متناقض مع الآخر.
النظام القطري إذا لم يستفق من هذا الهوس الذي أغرقه فيه تنظيم الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي، ستكون نهايته على أيدي هذه الجماعات ذاتها التي تستخدم النظام القطري كممول لها، وهي تؤمن بأن الدور عليه مؤجل، وليس محمياً أو محصناً. فقديماً تلقت «القاعدة» الأسلحة والتمويل الأميركي في حربها مع الروس في أفغانستان، ولكنها سرعان ما حاربت أميركا بسلاحها، لكون الحرب كانت مؤجلة، فهل يدرك النظام القطري ماذا يفعل؟ أم على قلوب أقفالها؟