حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

الغاية البعيدة من تفجير مانشستر

واضح من اختيار الإرهاب ذي البصمة المشرقية الداعشية مناسبة غنائية ذات كثافة بشرية أن «داعش» يريد أن يحصد أكبر عدد من الأرواح البريئة، وواضح من ذات المناسبة الجماهيرية أن الإرهاب لا يكترث بنوعية الضحايا، أقصد لم تكن الغاية الثأر المباشر من الحكومة البريطانية، وإلا لاستهدف الإرهاب أي مؤسسة عسكرية أو أمنية أو حتى منشأة حكومية، وقل ذات الشيء عن كل الحوادث الإرهابية التي جرت في مناطق مختلفة في أوروبا وأميركا، بل وحتى في الدول العربية والإسلامية، كانت الشريحة المستهدفة من الحركات الإرهابية في الغالب من الشريحة المسالمة، ولم يسلم من ضحاياها ملة ولا نحلة، فاستهدفت مساجد وكنائس وحسينيات.
في تقديري أن الغاية النهائية للإرهاب الذي تبناه «داعش» ومن دار في فلكه من الحركات الإرهابية في مدينة مانشستر مؤخراً، بل وسائر الدول الغربية والشرقية إسلامية ومسيحية هو إبقاء شعلة الصراع ملتهبة، فبيئة الصراعات هي الحاضنة لسر وجودها وهي إكسير حياتها واستمرارها وهي البيئة الخصبة لتجنيد الأتباع وتكثير المتعاطفين، وسبق أن أشرت في مناسبة سابقة وقلت بأن ثمة مصالح مشتركة غير مكتوبة بين هذه الحركات الإسلامية الإرهابية المتطرفة واليمين المتطرف في الدول الغربية، فكلاهما يقتات على الآخر، وصعود أحدهما يعني صعوداً حتمياً للآخر، ولهذا تلاحظون أن الأحزاب اليمينية المتطرفة في الدول الغربية هي أول من يستغل الحوادث الإرهابية التي يرتكبها «داعش» في الدول الغربية في تعزيز أجندتها، والعكس صحيح، فكلما علت نبرة زعامات اليمين المتطرف ونجحوا في استصدار قوانين تضيق على الأقليات المسلمة أو تسخر بدياناتهم أو تطالب بعودتهم إلى دولهم الإسلامية، تعزز موقف الحركات المتطرفة والإرهابية واستشهدوا بها في معرض ما يسمونه بالصراع الأزلي بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى.
وأكبر دليل على خبث مقصد من يقف وراء هذه الحوادث الإرهابية في مانشستر وغير مانشستر، وأن الغاية ليست نصرة إسلام ولا مسلمين أن هذه الجماعات الإرهابية تدرك جيداً الأثر السيئ الذي تتركه هذه الهجمات الإرهابية على أوضاع الأقليات المسلمة في الدول الغربية، فارتفاع وتيرة الحوادث الإرهابية يعني المزيد من التضييق على المسلمين وسن المزيد من القوانين التي تتشدد في مراقبتهم ومراقبة مؤسساتهم، وأيضاً تدرك الحركات الإرهابية جيداً أن كل حادث إرهاب يقع تصاحبه دوماً حوادث مؤسفة تستهدف المسلمين المسالمين في الدول الغربية.
وأتصور أن ثمة علاقة بين مؤشر الاندحار الذي تعاني منه الكيانات الإرهابية في العراق وفي سوريا وعلى رأسها «داعش»، حيث انتقصت «دولتهم» من أطرافها وخسرت عدداً من منازلاتها مع خصومها الذين يحيطون بها إحاطة السوار بالمعصم، وبين ارتفاع وتيرة الحوادث الإرهابية في الدول الغربية، فهذه الحوادث الإرهابية من شأنها أن تربك بعض الحكومات الغربية التي لها تماس عسكري وسياسي مباشر مع الحركات الإرهابية، مثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، وتثير جدلاً داخلياً يجعل بعض الساسة الغربيين يتبنى نظرية أن حوادث الإرهاب التي يرتكبها «داعش» وغير «داعش» في الدول الغربية هي نتيجة التدخلات العسكرية المباشرة، وهو فعلا ما رفعته بعض الأحزاب المعارضة كما حصل مؤخرا في بريطانيا بعيد تفجير مانشستر.