ننسى في العادة الكثير من الأفلام ولا يعلق بالذاكرة سوى القليل، لتغدو هي الأخرى مع الزمن مجرد ومضة أو فقط تفصيله جملة حوار أو حركة كاميرا. قبل ساعات أعلنت جوائز مهرجان كان السينمائي في دورته الـ70، بينما أكتب هذا العمود قبل إعلانها بساعات، عندما سألوا ويل سميث النجم الأميركي الشهير وعضو لجنة التحكيم قبل أن يبدأ عمله، عن حقيقة حرصه على أناقته طوال أيام المهرجان، أجابهم مازحاً نعم اصطحبت معي 32 زياً مختلفاً، وهو معروف ليس فقط بأنه أكثر نجم هوليوودي متأنق، بل هو ينافس في هذه المكانة كل رجال العالم، وعندما تطرق الحوار عن المعايير التي تحكم لجنة التحكيم، وهل تدخل فيها اعتبارات دينية أو سياسية.
أجاب لا سياسة ولا دين ولا عرق ولا لون ولا شيء آخر خارج نطاق الفن، المفروض فعلاً أنه قد تسقط كل الاعتبارات ويتبقى فقط الشريط السينمائي، كثيراً ما تبدأ الصحافة والنقاد في قراءة الجوائز بعد إعلانها ويضيفون لها مذاقاً سياسياً أو عقائدياً أو جغرافياً أو تاريخياً، إنهم يذكرونني برد فعل كاتب «العجوز والبحر» آرنست هيمنغواي عندما قرأ الكثير من المقالات التي تناولت روايته الشهيرة، ووجدهم يفسرون رحلة الصياد بعد أن التهمت الأسماك صيده الثمين في البحر وعودته خالي الوفاض للشاطئ بهيكل عظمي، بأنها تعني إسقاطاً على رحلة الصياد في الحياة.
وأكد هيمنغواي أنه لم ترضه تلك التفسيرات، التي تبدو للوهلة الأولى أنها تزيد من التقدير الأدبي، إلا أنه وصفها باعتبارها مثل الزبيب، الذي يوضع على الخبز بغرض تحسين المذاق، إلا أنه يفضل التعامل مع الرواية باعتبارها فقط قطعة خبز.
لجان التحكيم في العالم ليس منوطاً بها البحث أو إضافة شيء آخر خارج العمل الفني، ربما المهرجان السينمائي تحكمه معايير مسبقة في الاختيار، وقد يستبعد من البداية أفلاماً ويرحب بأخرى، إلا أن لجان التحكيم لا تعبر سوى عن قناعتها وتقديرها الفني فقط، لأنها لو سمحت لمعايير أخرى بالدخول من الباب، فسوف يهرب الفن مباشرة من الشباك.
هناك مثلاً انحياز واضح للمرأة في مهرجان «كان» هذه الدورة، حيث زاد عدد المخرجات اللاتي يشاركن بأفلامهن في التظاهرات الرسمية، حتى أن عضو لجنة التحكيم الكوري الجنوبي المخرج والسينارست والمنتج بارك شان ووك، قال في مؤتمر صحافي رداً على سؤال لو لم يتم اختيار أعضاء سيدات في اللجنة؟ فقال مداعباً كنت أنا لعبت هذا الدور، وهكذا وجدنا أن نصف الأعضاء في لجنة التحكيم من النساء، برئاسة المخرج الإسباني الشهير بيدرو المودوفار، بالتأكيد الأمر هنا متعلق بتقدير مسبق للمرأة، ولكن لا يمكن أن نتصور أن المرأة ستعلن انحيازها للمرأة وتمنحها جائزة، لأن الوجه الآخر للصورة أن ينحاز عضو اللجنة الرجل لبني جنسه.
لقد تعودنا مثلاً في عدد من لجان التحكيم في عالمنا العربي، أن يطرح البعض فكرة التمثيل الجغرافي، أي إرضاء الكثير من الدول بالجوائز تحسباً للغضب، وتنتاب البعض عند التصويت رغبة عارمة في أن يمنح صوته لبلده على حساب القيمة الفنية المستحقة.
إننا نظلم الحقيقة ونخدش العدالة عندما تتدخل أشياء أخرى في تلك الحسبة، حتى لو بدت للوهلة الأولى أنها لا تعبر عن مكسب شخصي، إلا أن المحصلة النهائية، لا تعني سوى الظلم للجمال الفني، الذي هو فقط الجدير بالتقدير، أتمنى أن أجد فعلاً جوائز «كان» معبرة عن أناقة وعدالة ويل سميث.
7:29 دقيقة
TT
الأناقة والعدالة وويل سميث
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة