حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

مال.. افتراضي.. وتحدٍ!

عندما أطلق ستيف جوبز اختراعه المذهل للاتصالات، والمعروف اليوم باسم «آيفون»، وهو الذي أحدث النقلة النوعية الاستثنائية في عالم الاتصالات والتواصل، واستحدث وحده فئة جديدة باتت تعرف بالهواتف الذكية، حيث كانت الهواتف قبلها أجهزة صماء تماما تعتمد فقط على ما يقدم لها من خدمات من المشغل المعتمد والمرخص له، عندما أطلق هذا الاختراع كان هدفه أن يبيع الجهاز مرفقا بشريحة عالمية، ويكون بالتالي للمستخدم رقم دولي عام واحد من دون الحاجة للمشغل في كل بلد. وطبعا، تمت محاربة هذا التوجه بضراوة شديدة من قبل الحكومات التي تعتمد على الرسوم المبالغ فيها مقابل بيعها للرخص الهاتفية الجوالة. وكذلك الأمر، تمت محاربته بضراوة أشد من قبل الشركات الدولية المقدمة لهذه الخدمة؛ لأنها اعتبرت هذا الاختراع بمثابة رصاصة الرحمة القاتلة لها، وبالتالي جرى إلغاء الفكرة تماما وتبني المشروع من دونه، ونجح النجاح الذي بات أسطوريا كما هو معروف.
والآن، هناك محاولة حقيقية لاستحداث منظومة متكاملة للمال الافتراضي، بمعنى استحداث «عملات» افتراضية غير خاضعة لرقابة دول ولا بنوك مركزية، وبالتالي يتم من خلالها كل أنواع وأشكال التبادل التجاري، طبعا عن طريق الشبكة الإلكترونية بشكل حصري.
ولقد كانت أولى الانطلاقات الحقيقية لهذه الفكرة عندما أسس ساتوشي فاكاموتو، رجل الأعمال الياباني، في شركة «بيتكوين»، وهي أول عملة رقمية في سنة 2009، وبدأت في الانتشار والقبول حول العالم، وخصوصا في اليابان والولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وبعض الدول العربية، وهي شركة مسجلة في البورصة، ثم تلقت ضربة قاسية عندما أعلنت الصين حظرها ومنع التداول بها (وهي مسألة منهجية في الصين التي لديها قلق وشكوك وخوف غير عادي من الشركات الافتراضية هذه مثل «غوغل» و«ياهو» من قبلها).
وطبعا، حصل إحباط كبير لدى الشركة، وهبطت قيمتها بشكل هائل، ولكنّ هناك رهانا عظيما على أن العملة الافتراضية قادمة وبقوة، وأن مسألة قبولها ومسألة اعتمادها بشكل مطلق هي مسألة وقت لا أكثر، وأن الأنظمة والقوانين ستعدل لأجل ذلك، بل إن كل أجهزة التليفونات الجوالة تستعد لترتيب منصات هذه الهواتف لتكون جاهزة للصيرفة الهاتفية الجوالة، وهي المرحلة التالية بعد الصيرفة الإلكترونية الحاصلة والقائمة الآن.
سوف تكون معظم المعاملات، إن لم نقل كلها، عن طريق الهاتف الجوال، ومن دون فواتير ورقية، بل إن بعض المحلات اليوم وبعض الشركات تمنع، وبشكل رسمي، التعامل بالنقود المحمولة، وتصرح بهذا الأمر علنا. كيف سيكون شكل التعامل المالي ونوعية المشكلات التي ستحصل جراء ذلك الأمر، خصوصا أن البنية النظامية والقانونية في العالم العربي لا تزال هشة جدا وضعيفة للغاية فيما يخص التعامل مع الصيرفة الإلكترونية الحالية، والمشكلات التي نتجت عنها، ولكن النقطة المفصلية والأهم هو التحدي «الشرعي والفقهي» لهذه النقلة النوعية في العلاقة المالية بين البشر، وهذا يعني أن هناك «باقيا» للربا بأشكال مختلفة و«جديدة!» حتى وإن غاب الغطاء الملائم لها من ذهب وفضة، والذي اتفق على سريان الربا فيه فقط (أي في الذهب والفضة).
الجدال الذي فتح بمناسبة استحداث وسائل السداد بالبطاقات الإلكترونية وبالحسابات الإلكترونية سيكون نزهة حقيقية، مقارنة بالنقاش والجدال الذي سينطلق فيما يختص السداد بالعملة الافتراضية، لأن في ذلك تعريفا جديدا تماما للمال ووظيفة المال التقليدية.