طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

لقد أصبحتم مثارا للسخرية!

منذ الثورة الخمينية، وحتى اليوم، والدعاية الإيرانية تتركز على ترسيخ صورة واحدة مفادها أن السعودية «تابعة» لأميركا، لا حليفة، وأن أميركا دولة مطيعة لإسرائيل، وصرف على هذه الدعاية مئات الملايين، وسخر لها أحزاب وأنظمة، ووسائل إعلام.
اليوم انقلب السحر على الساحر، وتغيرت المعادلة تماما، حيث تحولت الماكينة الإيرانية، ومعها بالطبع الإخوان المسلمون، من الحديث عن «التبعية» السعودية لأميركا إلى الحديث عن «الخلاف» السعودي الأميركي، وخرجت في ذلك عشرات المقالات، والبرامج التلفزيونية، حيث باتت الدعاية متركزة الآن على «الخلاف» السعودي الأميركي، والقول بنفس الوقت أن السعودية، ودول الخليج، تحولوا إلى حلفاء لإسرائيل ضد أميركا، في طرح أعوج لا يستقيم! ويحدث كل ذلك لأن السعودية مارست سياسات تتفق مع مصالحها، ومصالح المنطقة، سواء في البحرين، أو مصر، أو سوريا، وكذلك تجاه إيران لإيقاف الاندفاع الأميركي «الحالم» خلف الوعود الإيرانية الواهية.
اليوم سقطت الدعاية الإيرانية عن «تبعية» السعودية لأميركا، وتحولت المسألة برمتها، وبقدرة قادر، إلى انتقاد السعوديين، والقول بأنهم على «خلاف» مع الأميركيين فقط لأن إيران تريد التقارب مع أميركا، ومن خلال «خدعة» مفاوضات الملف النووي الذي تصدت له فرنسا مؤخرا في جنيف. الآن فقط انقلبت الدعاية الإيرانية الكاذبة ضد السعودية طوال الأربعة العقود الأخيرة، والتي اشتدت في العشر سنوات الأخيرة، والتي كانت تكرس أن السعودية دولة «تابعة» لأميركا، انقلبت إلى دعاية جديدة وهي أن السعودية «تتهور» في مواقفها تجاه أميركا والغرب، وأن الرياض اليوم على «خلاف» مع واشنطن، يحدث كل ذلك دون أن يتنبه أصحاب هذه الدعاية، سواء كانوا الإيرانيين، أو أتباعهم بالمنطقة، وكذلك الإخوان، أن السعودية رسمت خطا أحمر واضحا لحماية مصالحها ومصالح أمن هذه المنطقة، وأن الخط الأحمر السعودي لم يكن فاقع اللون سياسيا وحسب، بل أسقط الدعاية الإيرانية.
ما أثبتته، وتثبته، الأحداث أن السياسة السعودية لم تكن يوما متهورة، ولا عاطفية، ولا شخصية، بل واقعية نابعة من رؤية صلبة هدفها الأساس الحفظ على الأمن والاستقرار، وفي الأسبوع الماضي سمعنا تصريحات وزير الخارجية الأميركي من الرياض والتي تثبت صدقية المواقف السعودية، ولا بد أن العالم كله قد عقد حاجبيه بالأمس وهو يسمع إعلان الكرملين عن اتصال الرئيس الروسي بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وليس العكس، ولا بد أن كثرا، ومنهم أتباع إيران، في ذهول من فشل مفاوضات جنيف بين الإيرانيين والمجتمع الدولي، وهو ما حذرت منه السعودية بكل وضوح على لسان وزير خارجيتها.
يحدث كل ذلك بينما الدعاية الإيرانية، ومعها الإخوان، يتحدثون الآن عن «التهور» السعودي، و«الخلافات» السعودية الأميركية، وبعد أن كانوا يروجون دعاية «التبعية» السعودية لأميركا، فمتى يتنبه هؤلاء إلى أنهم أصبحوا مثارا للسخرية!
[email protected]