TT

لا.. ليس باسمنا

الجريمة المروعة التي وقعت في حي ووليتش اللندني، خلال الأسبوع الفائت في وضح النهار، لا تقبل التبرير ولا الأعذار. وحتما، لا يجوز تحميل الإسلام والمسلمين المسؤولية عنها.
المنظر البشع لجثة جندي بريطاني شاب على قارعة الطريق العام وعلى مقربة منها شابان من أصول أفريقية يتباهيان بفعلتهما، ويطلبان من المارة تصويرهما وقد لوح أحدهما بساطور وسكين جللتهما الدماء - منظر أقرب ما يكون إلى العبثية المجنونة.
جريمة من هذا النوع لا تحمل أي موقف سياسي، ولا تعتبر ثورة على غبن، ولا تجسد حالة من المعاناة من الغربة الثقافية. بل، مهما كان في الذهن المشوش لمرتكبي الجريمة، فإن ما فعله مخالف للإسلام وللتسامح والتعايش. وحقا لم يتأخر رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون، في أول تصريح صدر عنه بشأن الجريمة، عندما وصف الجريمة بأنها «خيانة للإسلام والمسلمين»، وفي هذا أصاب كبد الحقيقة.
إنها في الواقع طعنة تسدد إلى التعايش الحضاري في دولة فتحت ذراعيها لمئات ألوف المسلمين من مختلف أنحاء العالم، وتعاملت معهم في عهود حكوماتها المتعاقبة، من اليمين واليسار، كمواطنين كاملي المواطنية، يتمتعون بالحقوق والواجبات نفسها التي يتمتع بها أقرانهم الذين تعود أصولهم إلى الجزر البريطانية منذ قرون.
كذلك فتحت في بريطانيا أمام المسلمين أبواب البرلمان العريق بمجلسيه، وكذلك الوزارات، وأفسح أمامهم مجال الإثراء من خلال مشاركتهم البناءة في النشاط الاقتصادي، فظهر منهم مئات من كبار الأثرياء. ناهيك عن احتلالهم عن جدارة مناصب مرموقة في سلك الوظيفة الحكومية وعالم الثقافة والإعلام ومؤسسات التعليم الكبرى.
وعودة إلى الجريمة البشعة ذاتها، فإن ثمة ردة فعل من زمر صغيرة من العنصريين كانت مرتقبة. وحدث بالفعل بعض التعديات المحدودة جدا، لكن الرأي العام البريطاني تعامل مع الجريمة وخلفياتها بصورة حضارية عاقلة ومسؤولة، تماما كما تعامل مع تفجيرات 7 يوليو (تموز) 2005 في وسائل النقل العامة بوسط لندن.
لقد أدرك المواطن البريطاني العاقل، منذ أمد، أن مثل هذه الظواهر بعيدة عن تعاليم الإسلام وروحه، وأن من يقترفونها أشخاص مغرر بهم، يجهلون أن ليس من مصلحة الإسلام والمسلمين اختطاف شرعية الإسلام وتهديد مصالح المسلمين بزجهم في «صراع حضارات» وجودي من دون مشاورتهم أو تكليف منهم. وحتى لو كانت هناك ظلامة ما فإن اللجوء إلى العنف الأعمى في المكان الخطأ والزمان الخطأ، يزيد سوء الفهم، ويحبط مساعي التفاهم، ويزرع الشكوك، ويولد العداوات، ويغلق أبواب التعليم والعمل أمام الأجيال المسلمة الشابة.. وكل هذا آخر ما تريده الجاليات المسلمة المقيمة في دول الغرب.
ولكن، لكي لا نبحث بعيدا، هل حل العنف الدموي العبثي أزمة في العالم الإسلامي نفسه؟ أمامنا أدلة لا تعد ولا تحصى على الإخفاق الدائم لمن يبني قناعاته وممارساته على القتل والدماء والإرهاب، في حين حققت الدول الإسلامية التي أسست قناعاتها وممارساتها السياسية على التفاهم وتقبل الرأي الآخر، والشراكة في التنمية، والاستثمار في الإنسان - مستويات طيبة من الرقي والبحبوحة.
ما حدث في لندن خلال الأسبوع الماضي لا يمت إلى الإسلام بصلة، وهذه هي الرسالة الواضحة والمباشرة الواجب تأكيدها للعالم قولا وفعلا.