نوح فيلدمان
أستاذ القانون بجامعة هارفارد وكاتب بموقع «بلومبيرغ»
TT

هل قرارات الرؤساء غير قابلة للإلغاء؟

ستكون الأوامر التنفيذية القادمة لدونالد ترمب حول تحديد طبيعة الآثار الوطنية معركة شرعية. فقرار ترمب بمراجعة جميع الإعلانات الخاصة بتسمية الآثار التي صدرت خلال العشرين عاما الماضية والتي اعتبرت بمقتضاها بعض المقتنيات أثراً وطنياً يمهد الطريق لنقض بعض أو جميع الإعلانات التي صدرت في عهد باراك أوباما، رغم أن الرؤساء السابقين تعاملوا مع تلك القرارات باعتبارها غير قابلة للإلغاء. لكن يبدو أن ترمب عازم على كسر هذا التقليد بادعاء تمتعه بصلاحيات غير محدودة لنقض أي شيء فعله الرؤساء السابقون.
في الحقيقة، فإن ما يحدد السلطة القانونية لإعلان الآثار الوطنية هو «قانون الآثار» الذي صدر عام 1906 الذي أقره الكونغرس في عهد الرئيس السابق تيودور روزفلت. ويعطي القانون الرئيس سلطة إعلان الأراضي الفيدرالية (أرض الدولة) آثارا وطنية، وذلك بغرض حماية «الآثار التاريخية وكذلك آثار ما قبل التاريخ، وغيرها من الأشياء ذات القيمة التاريخية أو العلمية». ينص القانون أيضا على «أن كل ما اعتبر أثرا سوف يكون مقيدا بالمنطقة التي اكتشف بها في أضيق نطاق جغرافي يستلزم حمايتها وإدارتها».
ولسوء الحظ، فإن قانون الآثار يقف صامتا إزاء تحديد ما إذا كان من حق الرئيس إبطال هذا القانون، مما يفتح المجال أمام النزاعات القانونية.
لكن من المؤكد أنه في ديسمبر (كانون الأول) 2016، جادل اثنان من أساتذة القانون، تود غزانيو، عضو مؤسسة بسيفيك ليغال فونديشن القانونية، وجون يو، الأستاذ بكلية القانون بجامعة كاليفورنيا، في مقالين بجريدة «وول ستريت جورنال» بأن ترمب بمقدوره نقض إعلانات أوباما «وقاما لاحقا بالإسهاب في وجهة نظرهما في بحث مطول».
في غضون ذلك، منحت «الرابطة الوطنية للحدائق والمحافظة على المتنزهات» «معهد واشنطن القانوني» الجليل حق كتابة تحليل تفصيلي في هذا الشأن، وتوصل المعهد إلى نتيجة معاكسة، وهي أن الرئيس لا يتمتع بصلاحية إبطال القوانين السابقة.
من حق من إذن؟ ليس هناك سابقة قضائية، لكن المجلس القانوني بوزارة العدل ناقش هذا الأمر من قبل وانحاز إلى جانب أنصار المحافظة على البيئة.
في عام 1938، طلب الرئيس فرانكلين روزفلت من النائب العام، هومر كمنغز، إعادة تسمية «قلعة بينكلي» التي كانت تستخدم سجناً في معسكر خلال سنوات الحرب الأهلية، ليعامل بوصفه أثراً وطنياً. لكن الطلب قوبل بالرفض، حيث جادل كمنغز بأن القانون أعطى الرئيس سلطة اعتبار شيء ما أثراً وطنياً، لكنه لم يمنحه سلطة نقض إعلان سابق، مضيفا: «إنه ليس من واجب المشرع نقض القوانين التي يسنها، وإلا فإن تأكيد مثل هذا الزعم من شأنه أن يمنح المشرع سلطة إلغاء القانون بعدما بات ساريا باعتماد الكونغرس».
فالكونغرس اعتمد هذا النص صراحة عام 1976 عندما سن سياسية الأراضي الفيدرالية وأسلوب إدارتها، وكان الهدف من ذلك - وفق التاريخ التشريعي للكونغرس - «الاحتفاظ بحق الكونغرس في تعديل وإلغاء إعلانات الآثار الوطنية التي صدرت بمقتضى قانون الآثار». ولذلك فإن موقف أنصار المحافظة على الطبيعة قوي، وموضوعي، لو أنك اعتقدت، مثلما أعتقد، أنه من الموضوعي أن تقرأ القوانين وفق الغرض الوظيفي الذي سنت من أجله. ولذلك، على سبيل المثال، يبدو أن خمسة رؤساء قد قلصوا حجم المناطق الأثرية التي أصدروا إعلانات بشأنها. وكان الإجراء الأبرز عندما قام الرئيس ودرو ويلسون عام 1915 بتقليص مساحة أثر «جبل أوليمبوس» من 639.200 هكتار إلى 313.280 هكتار.
اللافت أن الرقم المخفض لم يرد في القانون أيضا، وإن كان المعنى هنا يشير إلى أن الرئيس يتمتع بصلاحية صريحة في هذا الشأن. لكن القانون، بعد كل شيء، ينص على أن الآثار يجب أن تكون محصورة في أقل مساحة ممكنة تسمح بالعناية الكاملة بها. ويبدو هنا أن صلاحية تحديد مساحة الأرض تنتقل إلى الرئيس التالي، بشرط ألا يمس ذلك سلامة الأثر.
ومن منظوري القانوني الخاص، لم يحدث أن طالب رئيس بإعلان أثرية شيء ما منذ سن القانون المذكور، فمرور أكثر من مائة عام من السوابق المتواصلة يعد في حد ذاته دليلا واضحا على ما يعنيه القانون.
ثم نأتي إلى حكم أنصار الحفاظ على البيئة الذي يصر على أن ما يفعله رئيس بمقتضى إعلان رسمي يحق للرئيس التالي إلغاؤه، فالرؤساء يستطيعون طرد المسؤولين من مناصبهم بعد أن يعينوهم وفق القانون أيضا. يبدو هذا القانون معقولا ظاهريا، ولو أنك أمعنت النظر فيه، فسوف ترى نظرية مبالغا فيها لطريقة استخدام القوة التنفيذية.
تبدو القاعدة جيدة من الوهلة الأولى لأنها تسير وفق القاعدة التي تقول إن المشرع لا يستطيع إلغاء ما فعله سلفه. لكن المسؤول التنفيذي ليس المشرع، فالرئيس خادم للكونغرس، على الأقل عندما لا يمارس أي صلاحية دستورية موروثة، مثل صلاحية تعيين وفصل الموظفين التنفيذيين من العمل.
تسير الأمور هكذا عند التعامل وفق تعليمات الكونغرس، وهنا لا يحتاج الرئيس إلى إلغاء ما قام به الرؤساء السابقون. أفضل ما ننهي به المقال هو أن نقول إن ترمب تنقصه الصلاحية القانونية لإبطال إعلان أوباما بشأن أثرية شيء ما أو موقع ما. لكن بكل تأكيد فإن من صلاحيته تقليص مساحة موقع أثري ما، شرط ألا يكون الموقع قد تقلصت مساحته من قبل بمقتضى إعلان سابق. ولو فعل ذلك بأي حال من الأحوال، توقع أن ترفض المحكمة تلك الدعاوى.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»