نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

دروس الاختلاف

حبس العرب أنفاسهم استغراباً واستهجاناً، حين تدفق عليهم سيل من أخبار وإشاعات عن خلافات مصرية سعودية، وضعت الدولتين الأعظم في المنطقة، في موقف حرج لكلتيهما، وفي وقت هو من أصعب الأوقات إذا ما نظرنا موضوعياً للتحديات التي تواجهانها.
وأي خلاف بين هاتين الدولتين، لا بد أن يكون مستغرباً أمام الحاجة الملحة لجمع الأرصدة، والزج بها في معادلة القوى التي لا مكان فيها لغير أصحاب الأرصدة القوية، وللسياسة التي تحسن إدارتها.
نأمل أن يكون هذا الوضع قد انتهى، سواء في القمة العربية الأخيرة، أو في الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي للمملكة، إلا أن دروسا مهمة ظهرت في فترة الخلاف، يتعين الاستفادة منها بل والبناء عليها.
الدرس الأول... بدلاً من أن يجري الحديث الإنشائي والعاطفي عن العلاقة التاريخية والدينية والقومية بين طرفين كبيرين، فينبغي وضع سياسة تنتج اتفاقاً على تنظيم الاختلاف، ذلك أن علاقات الدول مهما بلغت الروابط المشتركة بينها، فلا بد من أن تنشأ خلافات على الصعيد الثنائي، أو كيفية التعاطي مع طرف ثالث يختلف أحد الأطراف معه، بينما يتخذ الطرف الثاني موقفاً مختلفاً.
وفي هذا الزمن الذي نعيش، لم يعد الفرز بين المواقف يستند إلى قاعدة «من ليس معي فهو ضدي». لقد حلت محل هذه القاعدة التي حكمت العلاقات زمن الاستقطاب الثنائي، والمسمى بزمن الحرب الباردة، قاعدة مختلفة يبدو منطقياً فيها تعايش الاختلافات حول أمر يقابله اتفاقات حول أمر آخر.
العلاقات التي نشأت زمن الربيع العربي، تقوم الآن على هذا الأساس، وأكثر الإدارات السياسية حكمة، هي تلك التي توائم الاختلاف مع الاتفاق في سياق محصلة لا توصل إلى القطيعة والانتقام المتبادل، فقد روضت المصالح المتداخلة كل الاختلافات في هذا الاتجاه.
الدرس الثاني... في عالم القوى ينظر لوزن الكيانات في المجال الاستراتيجي أكثر منه إلى الأمور الأخرى، فمصر هي مصر الدولة التي يجمع العالم على أهميتها الاستراتيجية، حتى لو تورطت في ألف مشكلة داخلية، والمملكة هي المملكة حتى لو دخلت في حروب مباشرة وغير مباشرة.
ودون التقليل من أهمية الاستقرار الداخلي في أي دولة، وتأثيره على سياستها وتحالفاتها، إلا أن العامل الحاسم في التعامل مع الدول يظل هو الأول الثابت وليس الثاني المتحول.
الدرس الثالث... هو أن الخلافات التي تنشأ بفعل التنافس لم تعد لازمة ولا منطقية في هذا الزمن الذي نعيش، فالسيادة والريادة هما لمن يُنجي كيانه من مقصلة صراع النفوذ المحتدم بشراسة أمام بوابات كل دولة، وإذا كان الاختلاف في زمن مضى ترفاً حكم المعادلة العربية عقوداً من الزمن، فإن الاتفاق والتفاهم وتوحيد الأرصدة، هو الضمان للبقاء أولاً ولما بعد ذلك دائماً.
ليست المملكة للسعوديين فقط، وليست مصر للمصريين فقط، ولو نظرنا بموضوعية وبالأرقام لخسائر الاختلاف ومزايا الاتفاق، لوجدنا أن المنطقة بأسرها إما أن تتكبد أفدح الخسائر، وإما تجني أوسع الأرباح.
المقياس الإنساني لهذه المعادلة هو القلق الذي راود العرب جميعاً وخصوصاً معسكر الاعتدال، حين جرى الحديث عن خلاف بين الشقيقتين الكبيرتين، والاطمئنان الذي حدث حين تبددت سحب الخلاف، ومزاج الناس يظل هو المقياس الأدق.