ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

ماذا يمكن لترمب أن يتعلم من ترومان؟

كان الرئيس الأميركي المعاصر الوحيد الذي ينافس دونالد ترمب من حيث عدم الاستعداد لتولي مهام القيادة العالمية هو الرئيس الأسبق هاري ترومان. ولقد تولى الرجلان المنصب المهم من دون معرفة كافية بالمشكلات الدولية التي كانا على وشك مواجهتها، ومن خلال المخاوف الكثيرة في الداخل والخارج من أنهما ليسا على قدر العمل والمسؤولية.
قال ترومان بعد وفاة الرئيس فرنكلين روزفلت وصدمة حلف يمين الولاء: «أدعو الله أن أكون على قدر المسؤولية». ولن يمكن اعتبار ترمب إنساناً من بني البشر إن لم يدعُ بدعاء مماثل في زاوية من زوايا عقله يوم 20 يناير (كانون الثاني) الماضي.
والآن، وفي واحدة من قوافي التاريخ شديدة العجب والغرابة، يواجه ترمب تحدياً مماثلاً لتحديات ترومان في مواجهة كوريا الشمالية. انطلق ترومان إلى الحرب في عام 1950 لعكس الغزو الكوري الشمالي لكوريا الجنوبية. ولقد بات ترمب قاب قوسين أو أدنى من ذلك الصراع، في محاولته لإيقاف برنامج كوريا الشمالية النووي.
كان للرئيس الأسبق كثير من الصفات التي احتفى بها المؤرخون أيما احتفاء، ولكننا نريد في هذا المجال التركيز على صفاته الشخصية. كان ترومان يجسد في تلك الأيام ما يسمى الفضائل الإنسانية؛ القيادة الهادئة، والإخلاص التام للمعتقدات، والترفع عن التبجح والمباهاة على الملأ. ولم يكن ينسب الفضل إلى نفسه في أمور لم يتمكن من إنجازها قط. كما أنه لم يوجه اللوم للآخرين عن الأخطاء التي ارتكبها بنفسه.
يبدو من الواضح أن الرئيس ترمب يختلف وبشكل جذري وعميق عن الرئيس ترومان. فهو فتى نيويورك المدلل الذي يعشق الاستعراض والتفاخر، بينما كان الرئيس ترومان مجرد فتى متواضع من أبناء مزارعي ولاية ميسوري. وفي حين أن ترمب صنع لنفسه اسماً لامعاً بصفته قطباً من كبار أقطاب الأماكن الأميركية الصاخبة، كان ترومان الحاذق في لعبة البوكر دائما ما يخفي أوراق اللعب عن الآخرين.
أما الصفة المشتركة التي جمعت بين شخصيتي هذين الرئيسين فهي تجربة الوصول إلى المكتب البيضاوي في مواجهة الشكوك واسعة النطاق. وما تعلمناه من شخصية الرئيس ترومان هو أن الشخصية لها كل الاعتبار، لا سيما بالنسبة للرئيس الذي يعاني من انخفاض معدلات تقييمه الشعبية.
وحول ما يتعلق بالسياسة الخارجية، أظهر الرئيس ترمب قدراً من المرونة والبراغماتية التي تتعارض مع بعض، مما أعرب عنه خلال خطاباته النارية في حملته الانتخابية. لقد اتهم الصين باغتصاب الاقتصاد الأميركي، على سبيل المثال، ولكنه عندما تولى الرئاسة، أدرك وبوضوح أنه في حاجة ماسة إلى بكين للمساعدة حول قضية كوريا الشمالية، وغير ذلك من القضايا المهمة، وتخلى عن ادعاءاته بأن بكين تتلاعب بالعملات.
ويبدو أن موقف الرئيس ترمب من روسيا يتطور كذلك. فخلال حملته الانتخابية، كان يثني كثيراً ويشيد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في حين كان المحققون يواصلون البحث عن صلات خفية للقرصنة الروسية السرية لحملة 2016 الانتخابية الرئاسية. أما الآن، فتغيرت لهجة الرئيس ترمب تماماً حيال الرئيس بوتين. كما كانت هناك تحولات مماثلة ومشاهدة إزاء قضايا أخرى أكثر أهمية، مثل مصرف التصدير والاستيراد، ومنصب السيدة جانيت يلين رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
تبدو مواقف السيد ترمب الجديدة صحيحة من وجهة نظري. ولكن لأنها تمثل نوعاً من الانتكاسات لوجهات النظر المتخذة في السابق، فإنها تثير التساؤل بشأن ما الذي يعتقده هذا الرجل في حقيقة الأمر.
كيف يمكن للسياسي أن يكون أكثر استحقاقاً للثقة؟ ليست هناك صيغة محددة لذلك، فالثقة لا بد من اكتسابها. ولكن الرئيس ترمب سوف يساعد نفسه كثيراً إذا ما أعرب عن مزيد من الفضائل التي كان يجسدها الرئيس الراحل ترومان. ينبغي على الرئيس ترمب أن يتوقف عن إلقاء اللوم على الآخرين، بادئ ذي بدء. ولا ينبغي عليه مرة أخرى أن يقول إن باراك أوباما السبب الرئيسي في الصعوبات التي نعانيها اليوم في سوريا، أو في أي مكان آخر. إن تحويل اللوم يبدو من الأدوات السياسية، ولكنه من الأدوات التي تشي بالضعف وقلة الحيلة. وعلى نحو مماثل، لا ينبغي على ترمب التقليل من شأن قادة الجيش الأميركي مرة أخرى، كما صنع بعد وفاة جندي البحرية الأميركية ويليام ريان أوينز، عندما قال ترمب: «لقد خسر قادة الجيش الجندي ريان». فإن مثل هذه العبارات تعارض القيادة بشكل واضح.
وينبغي على الرئيس ترمب التوقف عن نسب الفضل إلى نفسه في الأشياء التي لم يفعلها بنفسه (وحتى بالنسبة للأشياء التي حققها بنفسه فعلاً). فهذه المواقف المتفاخرة لا تقلل إلا من قيمته الشخصية لدى الآخرين. ومن الجيد قراره الذي اتخذه بشأن حلف شمال الأطلسي وأنه لم يعفّ عليه الزمن، كما قال سابقاً، ولكنه وبكل افتخار نسب الفضل إلى نفسه في ذلك. ويصح الأمر نفسه فيما يخص المكاسب الوظيفية إثر قرارات الشركات الأميركية بالاحتفاظ بتشغيل مصانعها داخل الولايات المتحدة. فكلما أسرع ترمب في نسب الفضل إلى نفسه تبين زيف الادعاء وضآلته.
ويعد ملف الضرائب على أجندة الرئيس ترمب من الأمثلة الأخرى على كيفية اكتساب ثم فقدان الثقة. فإن الرجل الذي يخوض سباق الرئاسة في الولايات المتحدة قد يرفض الإفصاح عن إقراراته الضريبية الخاصة، ولكن الرئيس التنفيذي الذي يتحلى بالحكمة لا يفعل ذلك أبداً.
عندما يواجه الرؤساء الصعوبات، فإنهم أشد ما يكونون في حاجة إلى الثقة الشعبية. والتكتيكات المثيرة للشقاق التي قد تكون ملائمة خلال الحملات الانتخابية، أو محاولات تحويل المسؤولية على الآخرين، قد تعود بنتائج مدمرة. ويتذكر التاريخ الرئيس ترومان بأنه الرئيس العظيم بسبب أنه استطاع التغلب على تاريخ طويل من الفشل الشخصي، كمزارع، وكبائع للسلع الصغيرة، لكي يتحول إلى إرساء الرابطة الراسخة التي لا غنى عنها لأي رئيس، وهي أنه في خضم الأزمات والملمات، لا يثق الناس إلا به.
شعر الرئيس ترومان بحزن عميق، إثر الغزو الكوري الشمالي في عام 1950، وساءت ظروف الحرب بشكل مريع، وانخفضت شعبية الرجل إلى مستويات متدنية، وانبرى قائد جيشه، الجنرال دوغلاس ماك آرثر، متحدياً له. ولكن الشعب الأميركي تعلق بالرئيس ترومان لسبب بسيط جداً، أنه شيد مخزوناً من الثقة كان لازماً وضرورياً لكل زعيم يروم النجاح.
* خدمة «واشنطن بوست»