خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

في الهروب من الشيخوخة

الشعراء كالمطربات ونجوم المسرح والسينما يتهربون من ذكر حقيقة أعمارهم ويرتاعون من ذكر مشيبهم وشيخوختهم. وفي بطون الأدب كثير من المفارقات والطرائف اللذيذة في هذا الصدد. سمعت منها ما دار بين المرحوم سعيد العيسى والدكتور فؤاد حداد. جرت بينهما كثير من المنازلات والمداعبات الإخوانية من هذا القبيل، وجلها نتيجة صحبتهما الطويلة في مدينة يافا وأثناء عملهما في إذاعة الشرق الأدنى من القدس وراديو لندن من لندن، حيث كنت ألتقي بهما يتطاردان في القريض في مطعم الـ«بي بي سي» بلندن.
وقد ذكر سعيد العيسى أنه عندما سينشر ديوان شعره فسيخصص فيه باباً عن إخوانياتهما ويطلق عليه «الفؤاديات».
أكثر الشعراء يتخاصمون ويهجون بعضهم بعضاً، ولكن هذين الشاعرين لم يبديا في علاقاتهما غير المحبة والود الصادق. لا أدري ما إذا كان ذلك يعود لانضوائهما تحت مظلة المسيحية التي جمعتهما في الغربة. انتهز سعيد العيسى مناسبة يوم ميلاد زميله الشاعر والطبيب فبعث إليه بهذه الأشعار التي تعرض فيها لموضوع العمر!
إن نسى خلي فإني لست بالناسي
وكيف أنسى فؤاداً أطيب الناس
أصبو إلى عيده جذلان ذا لهف
وحبه في دمي يجري وإحساسي
ويا فؤاد بعيني لا يزال فتى
وسوف يبقى فتى في عيده الماسي
هذا الشباب الذي بالأمس فارقني
نظراً إليك.. أتى سعياً على الراس
ولكنني سألته يوماً عن حقيقة عمره، فبعث إلى بهذه الأبيات:
دعك من تخمين عمري يا أخا ودي الأمينا
أنت إن تنظر إلى وجهي تجد فيه الغضونا
أسطرا قد زيّن الدهر بها مني الجبينا
دعك لا تنظر إلى وجهي ولا تحص السنينا
وإلى قلبي تعال انظر، تجد حباً دفينا
فأنا في العمر ما جاوزت حد الأربعينا
إنما جزت في حبك أعواماً مئينا!
كل هذه الأشعار والقوافي ولم يذكر رقماً واحداً عن حقيقة عمره. خطر لي أن أذكر للعزيز فؤاد حداد، إنك تزور الأردن بين الفينة والفينة. هل لي أن أكلفك في زيارتك القادمة للمملكة الأردنية الهاشمية أن تزور قبر فقيدنا الأستاذ سعيد العيسى وتقرأ شاهد قبره وتكشف لنا عن حقيقة عمره عندما غادرنا عن هذه الحياة الدنيا. ذلك، أم يا ترى قد حافظ على «سرية» الموضوع حتى في طريقه إلى دنيا الآخرة. واقتضى علينا أن ننتظر حتى يوم الحساب لنعرف حساب عمره المديد!