د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

100 يوم من إعادة تقييم العلاقات الاقتصادية الأميركية - الصينية

في لقاء الرئيس الأميركي بنظيره الصيني، في فلوريدا، بداية هذا الشهر، تم الاتفاق على فترة مفاوضات مدتها مائة يوم، يتم خلالها إعادة تقييم التبادل التجاري بين البلدين، وهو ما يعد نتيجة هادئة بعد حرب كلامية وتهديدات بحرب اقتصادية استمرت لفترة طويلة.
ففي أثناء حملته الانتخابية، صرح دونالد ترمب بأنه سيتهم الصين رسمياً بالتلاعب في العملات لأهداف اقتصادية، وهو الذي صرح سابقاً بأن الصين «تسرق» أميركا. هذه التصريحات النارية سرعان ما انطفأت بعد اللقاء الأخير بين الرئيسين، فبعد 83 يوماً من جلوس دونالد ترمب على مقعد الرئاسة، تراجع عن قوله أن الصين تتلاعب بالعملات، متبعاً بذلك طرقاً أكثر دبلوماسية للوصول إلى حل قبل قيام حرب اقتصادية بين أكبر شريكين اقتصاديين بالعالم.
ويعود الخلاف الاقتصادي بين أميركا والصين إلى بداية التعامل التجاري بينهما، منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، حين رست أول سفينة صينية على الموانئ الأميركية، وسيطر الصينيون - بخبرتهم التجارية المكتسبة من التعامل مع أوروبا والهند - على ميزان القوى في التعاملات التجارية مع الأميركيين. لم تكن هذه السيطرة من واقع الخبرة فقط، فلقد اتضح منذ بداية هذه العلاقة التجارية أن الأميركيين هم الطرف الأكثر احتياجاً في هذه العلاقة، فيما لم يكن للصينيين أي اهتمام بما لدى الأميركيين سوى الفضة؛ كان سكان القارة الأميركية متعطشين للسلع الصينية، ابتداء بالصوف والمنسوجات حتى الشاي والبورسلين. ومنذ ذلك الوقت والأميركيون في محاولات مستمرة لتغيير هذا العجز، وإيجاد توازن أكبر في ميزان القوى الاقتصادية.
وبعد تأسيس علاقات دبلوماسية بين البلدين، نهاية السبعينات الميلادية، ارتفع حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين من 2.5 مليار دولار إلى 519 مليار دولار نهاية عام 2015. إلا أن السؤال ما زال مطروحاً: مَن مِن الطرفين بحاجة أكبر إلى الطرف الآخر؟ يأتي هذا السؤال في إطار حرب اقتصادية محتملة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية.
من جهة، فإن كثيراً من الشركات الأميركية تعتمد اعتماداً تاماً على الطلب الصيني. فعلي سبيل المثال، ما يقارب نصف المحصول الأميركي من الحبوب والفواكه يباع للصين. إضافة إلى المنتجات الإلكترونية، مثل الهواتف الذكية، فالصين هي أكبر سوق لمنتجات آبل الإلكترونية. ولذلك، فإن الضرر الناتج من الحرب الاقتصادية يؤثر، وبشكل مباشر، على الشركات الأميركية. ويتعدى هذا الضرر الشركات إلى الأفراد أيضاً، فتكاليف الإنتاج قد تزداد بنسبة 46 في المائة للملابس، و37 في المائة للهواتف الذكية. ولذلك، فالمؤكد أن متوسط الأسعار سيقفز بشكل ملحوظ في حال بدأت هذه الحرب.
القارئ لهذه الأرقام قد يصل إلى نتيجة، وهي أن الولايات المتحدة هي المتضرر الأكبر من هذه الحرب، وهو ليس حقيقياً أيضاً. فالاقتصاد الصيني سوف يضرب في مقتل في حال حدثت هذه الحرب، فما يقارب خُمس الصادرات الصينية يذهب إلى الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يشكل نحو 4 في المائة من الناتج القومي الصيني، بينما لا تشكل الصادرات الأميركية للصين أكثر من واحد في المائة من الناتج القومي الأميركي. والمسؤول الأميركي على علم تام باحتياج الصين الاقتصادي لأميركا، وهو ما دفع أحد المسؤولين الأميركيين للقول صراحة إن الصين لا غنى لها عن الولايات المتحدة، فمن المستحيل ألا تشتري الصين قطع غيار لطائرات بوينغ الأميركية الصنع.
خلال المائة يوم التالية للقاء الرئيسين، ستتم إعادة تقييم الوضع الاقتصادي بين البلدين، ويحرص الأميركيون خلالها على تقليل العجز في التبادل التجاري الذي يبلغ أكثر من 300 مليار دولار، محاولين بذلك إنهاء قرنين ونصف من حالة عدم التوازن التجاري. وتتمثل رغبة الطرف الأميركي بزيادة الصادرات الأميركية للصين، ومنها اللحوم التي منعت الصين استيرادها من الولايات المتحدة عام 2003، وتخفيف الرسوم الجمركية الصينية على السيارات الأميركية، مما قد يتسبب في زيادة تصديرها للصين. كما يرغب الرئيس الأميركي في جلب استثمارات صينية للولايات المتحدة، يقوم من خلالها بخلق أكثر من 700 ألف فرصة عمل للمواطنين الأميركيين، بينما تحاول الصين امتصاص فورة الرئيس ترمب في بداية عهده، إضافة إلى دعم منتجاتها في الولايات المتحدة، بالمطالبة بتخفيف الرسوم الجمركية «العقابية» على السلع الصينية في الولايات المتحدة، التي قد تصل إلى 45 في المائة. وقد يطمع الصينيون بمطالبات أخرى، مثل تخفيف القيود على صادرات التكنولوجيا الأميركية للصين.
لقاء الرئيسين في فلوريدا لم يخرج بأي تصريح حاسم بخصوص العلاقة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة. وقد يعود ذلك لتركيز الرئيسين على الأجندة السياسية التي تشمل التهديدات الأميركية لكوريا الشمالية، والعلاقة الأميركية - الروسية بخصوص الأحداث السورية. وفي حين يرى البعض أن الرئيس الأميركي بدأ يتبع سياسات أوباما الاقتصادية، التي انتقدها كثيراً في السابق، يرى البعض الآخر أنه يريد التركيز على الوضع السياسي، وأنه لا يريد خلق عدو سياسي من الصين، ببدء حرب اقتصادية عليها. في حين كسب الصينيون مفاوضات طويلة النفس تمتد لمائة يوم، قد يتغير خلالها كثير من العوامل والمعطيات السياسية والاقتصادية. كما أوضحوا لبقية بلدان العالم أن الرئيس الأميركي - ومن خلال تصاريحه الودية بعد اللقاء - لم يعد عدواً اقتصادياً للصين، كما كان سابقاً.
* باحث سعودي متخصص في الإدارة المالية