روجر كوهين
كاتب, نيويورك تايمز
TT

فرنسا في نهاية الأيام

الآن، يبدو أن فرنسا تستعد للتنفيس عن كم الغضب المكبوت من خلال الانتخابات التي يمكن أن تشهد عودة لتيار اليمين المتطرف إلى السلطة، وللمرة الأولى منذ أربعينات القرن الماضي، مع عودة أوروبا إلى الاضطرابات التي لم تشهد لها مثيلاً منذ تلك الحقبة.
وإذا تمكنت مارين لوبان، من الجبهة الوطنية اليمينية، من الفوز بالانتخابات فمن شأن ذلك أن يسبب تمزقاً اقتصادياً وسياسياً خطيراً، لدرجة أن يبدو تصويت بريطانيا على مغادرة الاتحاد الأوروبي كمثل الحوادث الباهتة سياسياً إلى جواره. وفوز مارين لوبان أبعد ما يكون عن المؤكد، وهو أمر معقول، إن لم يكن محتملاً. وعند عودتي إلى فرنسا في الشهر الماضي، فوجئت بالمساحة الهائلة التي حازها حزب مارين لوبان في التيار السياسي الفرنسي الرئيسي. ويبدو أن النمط الذي شاع في جميع أرجاء الجمهورية الفرنسية الخامسة قد ولى إلى زوال. لقد سئم الشعب الفرنسي من الرؤساء الاشتراكيين والجمهوريين الذين لا يمكن التمييز بين أجنداتهم السياسية قط. ومن المؤكد أن الجولة الأولى من التصويت في الانتخابات الرئاسية في 23 أبريل (نيسان) سوف ترسل كلاً من مارين لوبان وإيمانويل ماكرون زعيم الحركة الوسطى الجديدة، إلى الجولة الثانية من التصويت والمقررة في السابع من مايو (أيار) المقبل؛ أي المواجهة المحتدمة بين التيار القومي اليميني الكاره للأجانب في مواجهة التيار الحداثي الجديد الموالي لأوروبا.
وتظهر استطلاعات الرأي تفوق كلا التيارين على المرشح الجمهوري فرنسوا فيون الذي اغتالته الفضائح، والمرشح اليساري المتطرف جان لوك ميلينشون زعيم حركة فرنسا التي لا تقهر. أما تيار اليسار فلا يزال يتغنى بالنشيد الوطني الفرنسي، ويتآمر على صراع الطبقات. ولقد وجد الميل إلى الإطاحة بالنظام بأسره أرضا خصبة في الآونة الأخيرة. إن كآبة «نهاية الأيام» في فرنسا صارت محيرة للغاية. ونسبة البطالة التي تقارب 10 في المائة والنمو الاقتصادي غير المرئي لا يمكنها تفسير هذه الكآبة التي تعم المجتمع الفرنسي. تعتبر البنية التحتية الفرنسية كرسالة توبيخ قاسية للاضمحلال الذي تشهده البنية التحتية الأميركية. ونظام الرعاية الصحية الفرنسي يعمل بكفاءة. وعبارة «العيش بأناقة» التي تعبر عن نمط الحياة الفرنسية، هي ليست عبارة خالية من أي معنى. ومن الولايات المتحدة وحتى الصين، فإن اللمحة الفرنسية للحياة الراقية على مستوى العالم لا تزال متواصلة ومستمرة.
غير أن هذا يبدو وأنه يوفر نوعاً من الراحة المتواضعة. فالشعب الفرنسي، بدلاً من ذلك، صار يولي اهتماماً كبيراً إلى مواطن الفشل والإخفاق في بلاده؛ تشريعات فيشي القاسية، وماضيها الاستعماري المؤلم في الجزائر، ومحاولاتها المتعثرة لإدماج أحد أكبر المجتمعات الإسلامية في أوروبا، وتعرضها المستمر للهجمات الإرهابية في باريس ونيس، ودولة الرفاهية عالية التكلفة وشديدة الصرامة في بعض الأحيان، وعلاقتها الغامضة بالرأسمالية العالمية، ونموذجها العريق من العلمانية، وكلها آلام مستمرة من دون نهاية.
قال الخبير السياسي الفرنسي جاك روبنيك: «تعاني فرنسا من انعدام الأمن الثقافي والحضاري. وكثير من الناس يحملون شعورا قويا بالحرمان».
وهذا الشعور بالحرمان، والضياع، هو ما استغلته الجبهة الوطنية لصالحها: فقدان الهوية، وفقدان الوظائف، وفقدان الحدود الوطنية، وفقدان الإيمان في النظام السياسي الفاسد. ويرفع الحزب شعاراً غريباً للغاية ويقاتل تحت رايته ألا وهو: «نحن في وطننا!»، ولكن لماذا تحتاج هذه الحالة المرضية السياسية إلى إعادة لتأكيد الانتماء، وإلام تشير لفظة «نحن» هنا على وجه التحديد؟
قال لي نيكولاس باي، الأمين العام لحزب الجبهة الوطنية اليميني: «ليس هناك يمين أو يسار. إن هذه الانتخابات معنية فقط بالقومية في وجه العولمة. وهذا هو السبب في أننا سوف نلغي الهجرة إلى فرنسا. وإذا كان السباق الانتخابي بين السيدة لوبان في مواجهة السيد ماكرون العولمي في الجولة الثانية من التصويت، فسوف يكون من الواضح تماماً علام تدور المنافسة: هل ندافع عن الوطن أم أن الوطن قد زال وانتهى؟».
ماكرون مصرفي أسبق ووزير الاقتصاد في حكومة هولاند الحالية. وهو شاب يافع، ويبدو من لهجته أنه براغماتي يعشق التكنولوجيا وله القدرة على إنعاش الحياة الفرنسية الراكدة. ولا يعرف أحد على وجه اليقين ما في جعبته الانتخابية. وبالنسبة لأنصاره ومؤيديه، فهو رجل الأفعال، وبالنسبة لنقاده ومعارضيه، فهو مقامر يعشق الرهانات. ولكن لا يمكن لأحد أن ينكر الارتفاع الملحوظ في أسهمه السياسية.
* خدمة «نيويورك تايمز»