هال براندز
كاتب من خدمة «بلومبيرغ»
TT

5 أشياء على وشك أن نعرفها حول سوريا وبوتين وترمب

إثر الغارات الجوية الأميركية ضد جيش النظام السوري الأسبوع الماضي، أصبحنا جميعاً على وشك أن نتعلم الكثير. ومن المؤكد أنه من السابق لأوانه أن نعرف على وجه التحديد الآثار التي خلفتها الضربات الصاروخية التي أمر بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على النظام السوري، وإلى أي اتجاه تسير الحرب الأهلية السورية. ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى أن اللاعبين الرئيسيين بما في ذلك رئيس النظام السوري بشار الأسد، وروسيا، وإيران، والمعارضة السورية - ناهيكم بذكر الولايات المتحدة - لا يزالون يخططون لاتخاذ خطواتهم المقبلة.
ولكن يبدو من شبه المؤكد أن الأحداث التي سوف تتمخض عنها الأسابيع المقبلة سوف تساعد في الإجابة عن خمسة تساؤلات مهمة وحاسمة حول مصير الحرب الأهلية السورية ومختلف اللاعبين الذين يتنافسون الآن من أجل صياغة النتيجة النهائية لذلك الصراع.
أولاً، ما مقدار المقامرة التي يلعبها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟ لقد حاز الرئيس الروسي سمعة عالمية خلال السنوات الثلاث الماضية بأنه الشخص الذي يعشق المجازفات، والشخص القادر على التغلب على خصومه في المناورات السياسية بالضربات القاضية الحاسمة.
والآن، أعربت إدارة الرئيس ترمب عن عزمها الأكيد لاستخدام القوة العسكرية ضد حليف بوتين في دمشق، كما أعلنت عن استعدادها للمخاطرة الكبيرة بتصعيد حدة التوترات مع موسكو. وخلال رئاسة باراك أوباما، بعبارة أخرى، تمكن بوتين من مواجهة الولايات المتحدة التي كانت تعمل بأسلوب هو أكثر حرصاً وتحفظاً، ذلك الذي يسهل توقعه إن لم يكن تفهمه. والآن، فهو في مواجهة رئيس جديد يصعب تماماً تقدير حساباته لمقدار المخاطر والمجازفات السياسية.
ولذا، كيف سيكون رد بوتين؟ هل سيضاعف من دعمه لبشار الأسد على أمل أن يتمكن من التفوق على التصعيد الأميركي؟ أو ربما سوف ينزع إلى الحد من التوترات على أمل تفادي وقوع المواجهة الأكثر جرأة مع واشنطن؟
ثانياً، ما مقدار حنكة ودهاء بشار الأسد؟ إن الأسد الذي ظنناه طبيب العيون المعتدل، أصبح الآن أكبر سفاحي القرن الحادي والعشرين قاطبة. ولكن مع تنحية الوحشية جانباً، لا تزال الفطنة الاستراتيجية لدى الأسد عسيرة على التحديد حتى الآن. فلقد أثبت مهارات سياسية بأكثر مما كان يتوقع أي شخص تقريباً في عام 2011، ولكن قسوته الخرقاء ساعدت في تحويل ما وصف في أول الأمر بالمظاهرات السلمية إلى حرب أهلية صفرية النتائج بلا طرف غالب أو مغلوب، ولقد تمكن في الآونة الأخيرة، ومن خلال الهجوم الكيماوي المروع الأخير، إلى تحويل إدارة الرئيس ترمب التي بدت صديقة في بادئ الأمر إلى خصم صريح في مواجهة ما تبقى لديه من قوة وسلطة. ولذا، فهل يمكن اعتبار الأسد من دهاة السياسة إن كان رجل دولة بغيضاً من الناحية الأخلاقية، أم لعله مجرد ديكتاتور آخر؟
ما سوف يقوم به الأسد في الأيام المقبلة سوف يخبرنا بالكثير. فإذا ما اقتصرت استجابة الأسد على ردود الفعل الرمزية البعيدة عن التصعيد المتهور، وإذا ما تخلى فعلاً عن استخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، وإن أبدى، على الأقل، استعداداً ظاهرياً للتفاوض مع فصائل المعارضة، فربما قد يكون قادراً على الفرار من عنق الزجاجة مرة أخرى - وقد يعود إلى أشكال القتل الأقل إثارة للمشكلات التي أعرب المجتمع الدولي عن استعداده لتحملها لمدة تزيد على ست سنوات حتى الآن. تعتمد الإجابة عن هذين التساؤلين بشكل كبير على الإجابة عن التساؤل الثالث: ما مدى انزلاق المنحدر؟ كانت حجة إدارة الرئيس أوباما بمعارضة التدخل العسكري على الأرض تدور دائماً حول أن الخيارات التي يمكن اتخاذها من غير المرجح أن تساعد في تغيير مسار الحرب الأهلية السورية بأي طريقة ذات مغزى، وبالتالي فإن الخطوة الأولى في هذا المسار من شأنها أن تؤدي للضغوط باتخاذ خطوة ثانية ثم ثالثة؛ وهكذا دواليك.
وعلى النقيض من ذلك، يقول أنصار التدخل العسكري إن الضربة الأميركية الجريئة ولكن المحسوبة بعناية من شأنها أن تحول بشكل كبير من الحالة النفسية للصراع، وتضع الرئيس الأسد ورعاته في موقف الدفاع وليس المواجهة.
ونحن على وشك أن نعرف مدى صحة هذا الطرح. ولعل التدخل العسكري الأميركي المحدود للغاية حتى الآن سوف يجبر الجانب الروسي على إعادة التفكير في دعمه لنظام بشار الأسد، أو ربما إجبار الأسد على قبول أنه لم يعد بإمكانه استخدام الأسلحة الكيماوية،هذه التساؤلات، بدورها، تتعلق بالمسألة الرابعة الرئيسية لدينا: هل هناك إمكانية للوصول إلى تسوية عن طريق التفاوض؟ على مدى السنوات الست الماضية، أجريت عمليات دبلوماسية وسياسية لا تعد ولا تحصى على أمل التوصل إلى إنهاء للحرب الأهلية، ولقد فشلت كلها فشلاً ذريعاً. وفي الأسابيع التي سبقت الهجوم الكيماوي الذي شنه الأسد على شعبه، بدا أن الصراع قد اقترب إلى مستوى جديد من التوازن، حيث تمكن النظام السوري، وإلى حد كبير، من بسط سيطرته على العمود الفقري الغربي من البلاد، في حين كانت فصائل المعارضة المختلفة تسيطر على أقاليم مختلفة في مناطق أخرى. ولكن مع العزم والإصرار لدى بشار الأسد لاستعادة البلاد بأسرها إلى سيطرة النظام، ومع وجود كثير من فصائل المعارضة التي لا تزال تعارض وبشدة بقاء الأسد على رأس السلطة، فإن آفاق تحويل هذا التوازن إلى تسوية مستدامة لا تزال غير مؤكدة في أفضل الأحوال.
والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت الصدمة الاستراتيجية للهجوم الأميركي الأخير يمكنها من خلق سياق دبلوماسي جديد تكون فيه الأطراف المتصارعة أكثر استعداداً لتقديم التنازلات أم لا. أو بدلاً من ذلك، أن تكون أهداف الأسد وفصائل المعارضة شديدة التباين وعصية على التحقق لدرجة لا يمكن معها الوصول إلى أي تسوية عن طريق التفاوض؟
وأخيراً، مع بروز هذه القضايا بدرجة أكثر وضوحاً، سوف نعرف أيضاً الكثير حول التساؤل الحاسم الخامس: هل إدارة الرئيس ترمب قادرة على وضع وتنفيذ الاستراتيجية الفعالة؟ يمكن للأزمات أن تكون من اللحظات ذات الوضوح والصراحة. ويمكنها تسليط الأضواء الجديدة على معالم الصراع الدائر، يمكنها كذلك الإفصاح عن السمات الحقيقية - وربما فاعلية - الأطراف المعنية بالأمر. والأزمة السورية هي بمثابة الاختبار الحقيقي لإدارة الرئيس ترمب؛ ونحن على وشك أن نعرف ما إذا كان الرئيس الأميركي ومستشاريه بإمكانهم فعلاً التعامل على مستوى المسؤولية أم لا. وبالنظر إلى الدور الضخم الذي تلعبه الولايات المتحدة، ليس فقط في سوريا ولكن في جميع أرجاء العالم، قد يكون هذا هو أهم التساؤلات المطروحة التي سوف تساعدنا الأزمة السورية الراهنة في إيجاد الإجابة عنه.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»