مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

رحم الله من زار وخفف

قال (ابن البطريق) في تاريخه: حكي أن رجلاً قال: صليت في جامع المنصور ببغداد فإذا أنا بإنسان عليه جبة حمراء كالحة وقد ذهب وجهها وبقي بعض قطن بطانتها وهو يقول أيها الناس تصدقوا عليّ، بالأمس كنت أمير المؤمنين وأنا اليوم من فقراء المسلمين، فسألت عنه فقيل لي: إنه (القاهر بالله)، وفي هذه الحكاية أعظم عبرة، وكانت خلافته ست سنين وستة أشهر وسبعة أيام، وكان أهوج طائشاً سفاكاً للدماء يدمن المسكر – انتهى.
***
من أصول الحديث: أنه إذا شئت أن تكون محدثاً لامعاً، فاحرص على علامات الوقف التي تقسمها بين مقاطع حديثك، لا تنس النقطتين بالواحدة فوق الأخرى لأنهما تقدمان شرحاً لما قلته قبلهما، وانتبه للفاصلة، فهي تقسم حديثك مقاطع وتجعله واضحاً، وأكثر من النقاط، فهي تريح المستمع وتعينه على التأمل فيما تقول، ولا تهمل علامة الاستفهام، فهي تدعو المستمع إلى أخذ دوره في الحديث – انتهى.
هذه هي الأصول المفترضة التي أطبقها في كتاباتي فقط، أما في مجال الحديث - الله أكبر – فأنا إما أن أظل صامتاً (كأبو الهول) طوال الجلسة، أو إذا تحدثت أصبحت (كالحنفية) التي من دون محبس، فأنطلق بالكلام ولا أتوقف ولا أترك الفرصة لغيري، إلى درجة أن أحدهم قاطعني وهو يقول متسائلاً: (ول عليك ماتتعب؟!، أنت بالع لك راديو؟!، اهجد يا ابن الناس).
***
ذهبت يوماً لزيارة محام متقدم في السن فاستقبلني بحفاوة ودعاني إلى البقاء، ولما هممت بالجلوس في المقعد المواجه لمكتبه أشار عليّ بالجلوس في مقعد آخر. وقبل أن أنصرف طلب إليّ أن أجرب المقعد الأول، ولم أكد أجلس فيه حتى شعرت بالتعب، فقال صديقي المحامي: هذا المقعد أحتفظ به لبائعي الكتب القانونية ومحصلي الفواتير والزبائن المزعجين، وقد نشرت خمسة سنتيمترات من قائمتيه الأماميتين - انتهى.
أعجبتني الفكرة، لهذا أول ما رجعت إلى بيتي، دخلت مكتبي ونشرت خمسة سنتيمترات من القائمتين الأماميتين للكرسي، وهو الذي يجلس عليه في العادة، كل من يأتي لزيارتي.
لأنني أسير على مبدأ (رحم الله من زار وخفف).
***
يتبع أحد أقسام البوليس في (يوكوهاما) باليابان طريقة (إلكترونية) لمعاملة السكارى، ففي الصباح التالي لاعتقالهم، يضطر السكير للاستماع إلى شريط مسجل يحوي الكلمات والعبارات النابية التي كان يتفوه بها بعد اعتقاله، ويقول البعض إن هذه الطريقة أسوأ من الغرامة!
الحمد لله أنه لا يوجد في بلادنا من يتعاطى ويتفوه بذلك، ولو أنه كان يوجد لتمنيت أن يطبق عليه هذا الجزاء الرادع والمخجل.