مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

شارلوك هولمز العرب

هذه قصة أو حادثة حقيقية أوردها الرحالة (جيمس بارتون)، حينما كان مسافراً مع قافلة في منتصف القرن التاسع عشر ومنطلقة من تركيا إلى بغداد، وهي تضم أكثر من تسعين جملاً، وكان عدد الذين يقومون على رعاية تلك القافلة وراكبيها هم في حدود عشرين مستخدماً.
أما المسؤول عن القافلة فكان شيخاً عربياً وقوراً اسمه (محمد بن موسى)، كان رجلاً ذكياً ودمثاً استمتعت معه طوال الرحلة بأحاديث وذكريات مشوقة، وفي اليوم الثامن من الرحلة فقدت حقيبة جلدية فيها أكثر من (80) ليرة ذهبية هي كل ما أملكه، وأحسست أن حياتي قد انتهت وأن رحلتي قد انتكست، ولاحظ الشيخ اضطرابي، وسألني عما بي، فحكيت له عن المصيبة التي حلت بي، فامتعض وجهه وسألني عدة أسئلة، ثم جلس صامتاً وهو يعبث بلحيته، ثم وقف وضرب على صدره قائلاً جملة واحدة: (أنا لها).
وتركني وذهب مع حماره إلى خيمته وأغلقها عليهما طالباً ألا يزعجه أحد، وبدأت أشعر بالقلق على مالي، فالرجل الوحيد الذي قد يستطيع أن يعيده لي نائم، وبدأت أفقد الثقة.
وبعد ثلاث ساعات خرج مرتدياً ثياباً زاهية، ثم صعد فوق كومة من السلع المكدسة وسط المعسكر، وصاح بصوت عابس: «اجمعوا كل الرجال».
وعندما وقفوا أمامه أخذ يحدق فيهم صامتاً لمدة خمس دقائق، ثم قال: «لقد تجلل اسمي بالعار أمام (الخواجة) الذي أعتبره ضيفاً علينا، وأنتم تعلمون أن الضيف عندنا نحن العرب نفديه بأرواحنا، والآن تمت سرقته في معسكرنا الذي لم يدخله أي غريب».
وأشار بيده للخيمة قائلاً: «إن حماري الذي ينحدر من سلالة (البراق) يوجد الآن فيها، وهو يتمتع بحاسة لا تخطئ في كشف الحقيقة».
فعلى كل واحد منكم أن يدخل الخيمة لوحده ويمسك بذيل الحمار ويخرج، ثم يتبعه الآخر، وهكذا دواليك، وسيذكر لنا الحمار بعد ذلك عن السارق عندما ينهق، أما إذا مسك بذيله البريء منكم فإنه يظل صامتاً.
فتوالى الجميع بدخول الخيمة وانتهوا دون أن ينهق الحمار، ونزل الشيخ من مرتفعه وأمرهم أن يمدوا أياديهم، وأخذ يشمشمها، وفجأة جذب أحدهم من ثيابه وأخذ يضربه قائلاً له: «أنت السارق، فانكب على قدمي الشيخ يعترف ويطلب العفو».
ورجعت لي حقيبتي كاملة، وسألت الشيخ فيما بعد كيف عرفت ذلك؟!
فابتسم قائلاً: «أرجو ألا تقول شيئاً للرجال: لقد فركت ذيل الحمار بنعناع جاف، فأمسك الجميع بذيله ما عدا السارق، فقد كانت يده وحدها خالية من الرائحة».
ويقول مستر (جيمس): «عندها لم أستطع أن أسيطر على نفسي وهتفت: ما شاء الله، الله أكبر» - انتهى.
وأستطيع أنا أن أطلق على ذلك الشيخ اسم (شارلوك هولمز) العرب.