كليف كروك
TT

«البريكست» والاستفادة القصوى للجانبين

مع بدء رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي في خطوات رحيل بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، ليس هناك من شكوك حقيقية بأن الطلاق سيلحق الضرر بكلا الطرفين، ولقد بدأت هذه المغامرة مع أخطاء تاريخية في الحكم والتقدير، ومنها قرار رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون بالدعوة إلى إجراء استفتاء شعبي على عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، والقرار الأوروبي بحرمانه من الكثير من الامتيازات الكبيرة في المحادثات التي أعقبت ذلك الاستفتاء. ومن المرجح أن نشهد المزيد من الأخطاء، وسوء التقدير في الأشهر المقبلة، التي يمكن أن تؤدي بسهولة إلى تدهور الموقف عما هو عليه. ولكن الوداع الودي لا يزال ممكناً، وربما يصب في صالح كلا الجانبين.
وحتى في ظل الفراق الودي، فإن الوظائف ستظل مفقودة، حيث أدى هبوط الجنيه الإسترليني منذ تاريخ الاستفتاء وحتى الآن إلى خفض القوة الشرائية لدخول البريطانيين. كذلك، فإن بريطانيا تحاول المغادرة جزئياً حتى تستعيد السيطرة على حدودها، رغم أن الهجرة، من الناحية الاقتصادية، هي من الأشياء الجيدة، وليست من الأشياء السيئة. والقيود المتشددة المفروضة على تدفقات العمالة هي من قبيل العقوبات في حد ذاتها، ولا تقل عن كونها عقوبات ذاتية.
يحتاج القادة في أوروبا إلى التعامل مع المشاعر المتزايدة المناهضة للاتحاد الأوروبي، ولكن اتخاذ المسار العقابي مع بريطانيا ليس هو أفضل الطرق لذلك. ولدى مواطني أوروبا شكاوى مشروعة بشأن الاتحاد. وأن نقول لهم أن يلزموا الصمت أو يواجهوا العقاب قد يؤدي إلى إخماد بعضٍ من هذه الشكاوى في الوقت الراهن، ولكن ذلك لن يوفر الأساس الديمقراطي السليم اللازم للتغييرات الدستورية التي تحتاج إليها أوروبا. والاتحاد الأوروبي الذي يوفر أفضل الخدمات للمواطنين هو الطريق السليمة لبناء الدعم القوي والراسخ للاتحاد.
ولا بد أن نضع في اعتبارنا أن المملكة المتحدة كانت دائماً الطرف المعارض، وبشكل أساسي، في حين أن الدول الأعضاء الأخرى ليست كذلك، للمبادئ الأساسية للاتحاد الأوروبي والمتمثلة في الاتحاد الأكثر وثاقة ورسوخاً. واحتفاظ بريطانيا بعملتها المحلية، قد أدى بالفعل إلى فقدان نصف قيمتها.
وعلى الرغم من حالة السخط الأخيرة، فليس هناك بلدان أخرى في الاتحاد الأوروبي تحمل ميولاً مماثلة لبريطانيا. وهناك أخطار كبيرة لمحاولات الخروج الأخرى التي ستنشأ على المدى الطويل جراء فشل الاتحاد الأوروبي في إصلاح الذات.
وهذا يقودنا إلى الجانب الإيجابي من الخروج البريطاني من عضوية الاتحاد الأوروبي. فأحد الدروس الواضحة في السنوات العشر الماضية هي أن تثبيت منطقة اليورو سيستلزم جرعة إضافية من التكامل الاقتصادي والسياسي. وسيتعين الدمج الكامل للأسواق المصرفية والرأسمالية في الاتحاد الأوروبي. وهناك حاجة أيضاً إلى نوع من الاتحاد المالي كذلك، الذي يشتمل على السندات الصادرة بشكل مشترك والتحويلات المالية داخل دول الاتحاد.
ورغم الموافقة على هذه المبادرات إلا أنها تلقى القليل من الدعم، لكنها لا تقل أهمية، ولا يمكن تأجيلها إلى ما لا نهاية. وفي الوقت المناسب، فستحتاج إلى تغييرات في المعاهدات المبرمة، وبالتالي، التأييد الجماعي من الدول الأعضاء في الاتحاد. وحتى من دون بريطانيا وتحفظاتها الرصينة الصارمة حول المشروع الأوروبي، فإن تأمين هذا الدعم لن يكون سهلاً بحال، لكنه على الأقل لن يكون مستحيلاً.
كما أن هناك جانباً إيجابياً لبريطانيا أيضاً. بإمكانها استعادة بعض سلطات الحكم الذاتي التي فقدتها بكونها جزءاً من الاتحاد الأوروبي. ومن المحير أن هذا الرأي قد يكون هو رأي النخبة الحاكمة في المملكة المتحدة؛ الأمر الذي يعني الكثير بالنسبة إلى قطاع كبير من الشعب. وليس هناك من شك في تكبد بعض التكاليف الاقتصادية، ولكن يمكن تقليل هذه التكاليف من خلال السعي وراء عقد أقرب وأوثق الشراكات التعاونية مع جارتها في الاتحاد الأوروبي، ومن خلال استخدام الخروج في تحرير الاقتصاد الوطني، وغير ذلك من العلاقات التجارية الأخرى بصورة أسرع مما يمكنها وهي لا تزل عضواً في الاتحاد. ومرة أخرى، لن يكون هذا سهلاً بحال. ومرة أخرى، لن يكون هذا الأمر محالاً بحال.
من المنتظر أن تكون المفاوضات المقبلة محفوفة بالمخاطر. وقد تفشل قبل أن يبدأ مضمون المحادثات نفسها، على طلب أوروبا بالأموال المستحقة، وعلى وضع المهاجرين من الاتحاد الأوروبي، وعلى العملية ذاتها (مثل عما إذا كان ينبغي مناقشة شروط المغادرة بالتوازي مع الترتيبات الانتقالية للتجارة). والنقطة المهمة هنا هي أن ندرك أن الفراق بات وشيكاً، وأن المزيد من الاتهامات حول كيفية حدوث ذلك لن تخدم أي غرض أو طرف، وأن أفضل الرهانات لكلا الجانبين هي محاولة الاستفادة القصوى من الأمر برمته.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»