إميل أمين
كاتب مصري
TT

بحر الصين... بوابة المواجهة الكونية

هل يقود ستيف بانون كبير المستشارين لدى الرئيس الأميركي دونالد ترمب العالم إلى الحرب العالمية الثالثة عبر بوابة بحر الصين الجنوبي؟
طوال حملته الانتخابية الرئاسية الأميركية هاجم ترمب وبقوة الصين وجعل منها العدو رقم واحد لبلاده، ولم يكن الأمر ليخفى على الصينيين، لا سيما تعهداته بشن حروب تجارية على بكين انطلاقاً من مبدأ الحمائية الاقتصادية، ورأيناه يتعهد بفرض تعريفات جمركية تبلغ 45 في المائة على السلع الصينية المستوردة...
لا تبدو إشكالية الولايات المتحدة القطب القائم مع الصين القطب القادم حدثاً طارئاً يتصل بوصول ترمب إلى البيت الأبيض، وإن كان فريقه يذكي نيران المواجهة كما يفعل بانون، ذلك أن الأمر أبعد بكثير، والمطلع على وثيقة القرن الأميركي التي بلورها المحافظون الجدد في نهاية تسعينات القرن المنصرم والمعروفة اختصاراً باسم الـPNAC، يدرك أن الهدف الأبعد لأميركا وللأميركيين هو صبغ القرن الحادي والعشرين بصبغة أميركية خالصة، ومن هنا تبلورت الاستراتيجية الأميركية الجديدة لعام 2010 والمعنونة «الاستدارة نحو آسيا»، وهدفها الرئيسي حصار القوى الآسيوية الصاعدة، والصين في مقدمتها.
يصرح ستيف بانون في الأيام القليلة المنصرمة للكثير من وسائل الإعلام بأن الحرب مع الصين قادمة لا شك فيها، وأن بحر الجنوب هو الموقع والموضع للمنازلة الأميركية - الصينية القادمة... ما قصة تلك الجزر باختصار غير مخل؟
الثابت أنها مثار خلاف تاريخي بين دول عدة مطلة على هذا البحر وعلى وجه الدقة الصين وفيتنام والفلبين وتايوان وماليزيا وبروناي، خلاف يعود إلى عدة قرون، ولاحقاً عززت الصين ادعاءاتها بالسيادة على أجزاء كبيرة من ذلك البحر عن طريق تشييد جزر صناعية، وتسيير دوريات بحرية في تلك المياه.
ما دخل الولايات المتحدة إذن في أزمة هي بعيدة كل البعد عن مياهها الإقليمية، وأراضيها وفضائها؟
الجواب يتصل بفكرة الهيمنة على العالم وليس قيادته، ويؤمن الأميركيون بنوع خاص أن السيطرة على البحار والمحيطات حول العالم، عطفاً على بسط السيادة على الفضاء يؤمنان لأميركا ما هو أبعد من القرن الواحد، والتطلع إلى قرون لا يقل عددها عن عمر الإمبراطورية الرومانية.
بانون لا يكتفي بالنظر إلى الصين كعدو سياسي أو اقتصادي لبلاده، بل يضيف في موقفه العدائي بوضوح للصين مشهداً دوغمائياً؛ إذ يعتبرها تخشى المسيحيين في العالم برمته، بأكثر مما تخشى أميركا ذاتها، وغني عن البيان الإشارة لمواقف بانون من الإسلام كعقيدة والمسلمين كمواطنين، فالرجل يسخر من قول الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش إن الإسلام دين سلام، ويتندر على ذلك بقوله «الإسلام ليس دين سلام... الإسلام هو دين رضوخ... الإسلام يعني الخضوع»، ولا نبيح سراً إن أشرنا إلى أن بانون لعب دوراً رئيسياً في تصميم وتنفيذ القرار الذي وقعه ترمب ويقضي بمنع دخول مواطني سبع دول إسلامية إلى البلاد.
هل ستقف الصين مكتوفة الأيدي أمام التطورات السياسية المتسارعة التي تجري بها المقادير في واشنطن تجاهها وإن كانت بكين لا تعلن تلك الرغبة علانية أبداً وتلتمس طرق «كونفوشيوس» و«صن تزو» عوضاً عن استعراضات الكابتن مورغان واليانكي الأميركي؟
الحديث عن استعدادات عسكرية صينية تصل إلى درجة تهيئة الأسلحة النووية بات يملأ الأرجاء، فقبل أيام نشرت الصين أحدث منظومة صواريخ عابرة للقارات لديها وهي «دونغ فينغ - 41» في مقاطعة هيلونغ جيانغ شمال شرقي البلاد المحاذية لروسيا، وهي منظومة يمكن تزويدها برؤوس نووية، ويتراوح مداها بين 10 آلاف و14 ألف كلم، ما يعني أنها قادرة على بلوغ أي هدف في أميركا الشمالية.
هل تعني التطورات الأخيرة أن الصين حكماً ستسقط في فخ «ترمب - بانون»؟
يلزمنا التذكير هنا بأن التفكير الأميركي جزء من العقلية الغربية المبنية تاريخياً على التفكير الأرسطي أي مبدأ الأحادية، الذي لا مكان للآخر فيه، فيما التفكير الصيني جزء لا يتجزأ من التفكير الشرقي الآسيوي الكونفوشيوسي في الأصل الذي يرى الوجود كلاً «لا يتجزأ»، ويؤمن بأن التناقض جوهر الوجود، ولا يوجد وجود من دون تناقض.
الذين يعرفون اللغة الصينية يقرأون كلمة أزمة عبر حرفين؛ الأول يدل على الخطر المحدق والثاني على الفرصة القائمة، ويرى غالبية الصينيين أنه من الصواب عقلاً وعدلاً أن نغتنم الفرصة من أجل الاستفادة من دروسها التي تعلمناها خلال مراحل الأزمة.
«نفذ السهم» كما قال يوليوس قيصر ذات مرة، وبات ترمب وإدارته في موقع القيادة والريادة الأميركية، لكنها على النحو الذي نراه هي قيادة انعزالية من جهة وإقصائية من جهة أخرى، قيادة العقلية الأحادية، وعودة إلى دائرة اليمين الفوقي الإمبريالي الغربي دائماً تاريخياً.
في هذا التوقيت يمكن لبكين أن تمد أطراف وأذرع التعاون مع بقية دول العالم، لا تجارياً فحسب بل سياسيا واجتماعياً وثقافياً، والحديث عن إعادة مسار «درب الحرير» وروحه أفضل مثال لما يمكن لبكين أن تفعله في قادمات الأيام.
أحسن الرئيس الصيني شي جينبينغ قولاً في قمة دافوس الاقتصادية مؤخراً، عندما أشار إلى أن فكرة الحمائية لو تبعتها الصين فإن الأمر سيكون بمثابة الانعزال داخل غرفة مظلمة... ليت الصينيين يفلتون من فخ بانون إلى رحابة العالم المنتظر على ناصية الكون لقيادة جماعية من أجل الحياة والنماء لا لحروب عالمية غرضها الفناء والدماء.